الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
المتن: يَجِبُ بِسَبَبَيْنِ: أَحَدُهُمَا مِلْكُ أَمَةٍ بِشِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ سَبْيٍ أَوْ رَدٍّ بِعَيْبٍ، أَوْ تَحَالُفٍ أَوْ إقَالَةٍ وَسَوَاءٌ بِكْرٌ، وَمَنْ اسْتَبْرَأَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ الْبَيْعِ وَمُنْتَقِلَةٌ مِنْ صَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ وَغَيْرُهَا
الشَّرْحُ: بَابُ الِاسْتِبْرَاءِ بِالْمَدِّ وَجَعَلَهُ فِي الْمُحَرَّرِ فَصْلًا لِكَوْنِهِ تَابِعًا لِبَابِ الْعِدَّةِ، وَهُوَ لُغَةً طَلَبُ الْبَرَاءَةِ، وَشَرْعًا تَرَبُّصُ الْأَمَةِ مُدَّةً بِسَبَبِ مِلْكِ الْيَمِينِ حُدُوثًا أَوْ زَوَالًا لِمَعْرِفَةِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ، أَوْ لِلتَّعَبُّدِ، وَاقْتَصَرُوا عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَإِلَّا فَقَدْ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ بِغَيْرِ حُدُوثِ مِلْكٍ أَوْ زَوَالِهِ كَأَنْ وَطِئَ أَمَةَ غَيْرِهِ ظَانًّا أَنَّهَا أَمَتُهُ، عَلَى أَنَّ حُدُوثَ مِلْكِ الْيَمِينِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، بَلْ الشَّرْطُ كَمَا سَيَأْتِي حُدُوثُ حِلِّ التَّمَتُّعِ بِهِ لِيُوَافِقَ مَا يَأْتِي فِي الْمُكَاتَبَةِ وَالْمُرْتَدَّةِ وَتَزْوِيجِ مَوْطُوءَتِهِ وَنَحْوِهَا، وَخُصَّ هَذَا بِهَذَا الِاسْمِ؛ لِأَنَّهُ قُدِّرَ بِأَقَلِّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ مِنْ غَيْرِ تَكَرُّرٍ وَتَعَدُّدٍ، وَخُصَّ التَّرَبُّصُ بِسَبَبِ النِّكَاحِ بِاسْمِ الْعِدَّةِ اشْتِقَاقًا مِنْ الْعِدَدِ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ بَابِهَا لِمَا يَقَعُ فِيهِ مِنْ التَّعَدُّدِ غَالِبًا وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ مَا سَيَأْتِي مِنْ الْأَدِلَّةِ (يَجِبُ) الِاسْتِبْرَاءُ لِحِلِّ تَمَتُّعٍ أَوْ تَزْوِيجٍ (بِسَبَبَيْنِ: أَحَدُهُمَا) وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالْأَوَّلِ (مِلْكُ) حُرٍّ جَمِيعَ (أَمَةٍ) لَمْ تَكُنْ زَوْجَةً لَهُ كَمَا سَيَأْتِي (بِشِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ هِبَةٍ) وَقَوْلُهُ (أَوْ سَبْيٍ) أَيْ قِسْمَةٍ عَنْهُ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُصَرِّحَ بِهِ فَإِنَّ الْغَنِيمَةَ لَا تُمْلَكُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَصَوَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِمَنْ أَخَذَ جَارِيَةً مِنْ دَارِ الْحَرْبِ عَلَى وَجْهِ السَّرِقَةِ، وَهُوَ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ مِنْ أَنَّهُ يَمْلِكُهَا مِنْ غَيْرِ تَخْمِيسٍ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ، وَلِهَذَا قَالَ الْجُوَيْنِيُّ وَالْقَفَّالُ وَغَيْرُهُمَا إنَّهُ يَحْرُمُ وَطْءُ السَّرَارِيِّ اللَّاتِي يُجْلَبْنَ مِنْ الرُّومِ وَالْهِنْدِ وَالتُّرْكِ إلَّا أَنْ يَنْصِبَ الْإِمَامُ مَنْ يَقْسِمُ الْغَنَائِمَ مِنْ غَيْرِ ظُلْمٍ (أَوْ رَدٍّ بِعَيْبٍ، أَوْ تَحَالُفٍ، أَوْ إقَالَةٍ) أَوْ قَبُولِ وَصِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا كَفَسْخٍ بِفَلَسٍ، وَرُجُوعٍ فِي هِبَةٍ تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: بِسَبَبَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِغَيْرِهِمَا وَلَيْسَ مُرَادًا، فَإِنَّهُ لَوْ وَطِئَ أَمَةَ غَيْرِهِ ظَانًّا أَنَّهَا أَمَتُهُ وَجَبَ اسْتِبْرَاؤُهَا كَمَا مَرَّ بِقَرْءٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ هُنَا حُدُوثُ مِلْكٍ وَلَا زَوَالُهُ، وَمَرَّ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: مِلْكُ أَمَةٍ، يَقْتَضِي اعْتِبَارَ مِلْكِ جَمِيعِهَا كَمَا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ مَلَكَ بَعْضَهَا فَإِنَّهَا لَا تُبَاحُ لَهُ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا، وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَ مَالِكًا لِبَعْضِ أَمَةٍ ثُمَّ اشْتَرَى بَاقِيَهَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الِاسْتِبْرَاءُ، وَأَشَارَ بِالْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمِلْكِ الْقَهْرِيِّ وَالِاخْتِيَارِيِّ، وَخَرَجَ الْمُبَعَّضُ وَالْمُكَاتَبُ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُمَا وَطْءُ الْأَمَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَإِنْ أَذِنَ لَهُمَا السَّيِّدُ (وَسَوَاءٌ بِكْرٌ، وَمَنْ اسْتَبْرَأَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَمُنْتَقِلَةٌ مِنْ صَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ وَغَيْرُهَا) بِرَفْعِ الرَّاءِ بِخَطِّهِ: أَيْ غَيْرُ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ صَغِيرَةٍ وَآيِسَةٍ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ {أَلَا لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَقَاسَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ غَيْرَ الْمَسْبِيَّةِ عَلَيْهَا بِجَامِعِ حُدُوثِ الْمِلْكِ، وَأَخَذَ الْإِطْلَاقَ فِي الْمَسْبِيَّةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبِكْرِ وَغَيْرِهَا، وَأَلْحَقَ مَنْ لَمْ تَحِضْ أَوْ أَيِسَتْ بِمَنْ تَحِيضُ فِي اعْتِبَارِ قَدْرِ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ غَالِبًا، وَهُوَ شَهْرٌ كَمَا سَيَأْتِي
المتن: وَيَجِبُ فِي مُكَاتَبَةٍ عُجِّزَتْ
الشَّرْحُ: (وَيَجِبُ) الِاسْتِبْرَاءُ أَيْضًا (فِي مُكَاتَبَةٍ) كِتَابَةً صَحِيحَةً فَسَخَتْهَا بِلَا تَعْجِيزٍ أَوْ (عُجِّزَتْ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ ثَانِيهِ الْمَكْسُورِ بِخَطِّهِ أَيْ بِتَعْجِيزِ السَّيِّدِ لَهَا عِنْدَ عَجْزِهَا عَنْ النُّجُومِ لِعَوْدِ مِلْكِ التَّمَتُّعِ بَعْدَ زَوَالٍ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا أَمَّا الْفَاسِدَةُ فَلَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ فِيهَا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِهِ.
المتن: وَكَذَا مُرْتَدَّةٌ فِي الْأَصَحِّ
الشَّرْحُ:
تَنْبِيهٌ: أَمَةُ الْمُكَاتَبِ وَالْمُكَاتَبَةِ إذَا عُجِّزَا أَوْ فُسِخَتْ كِتَابَتُهُمَا كَالْمُكَاتَبَةِ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ (وَكَذَا) أَمَةٌ (مُرْتَدَّةٌ) عَادَتْ لِلْإِسْلَامِ يَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا (فِي الْأَصَحِّ) لِزَوَالِ مِلْكِ الِاسْتِمْتَاعِ ثُمَّ إعَادَتِهِ، فَأَشْبَهَ تَعْجِيزَ الْمُكَاتَبَةِ، وَالثَّانِي لَا يَجِبُ، لِأَنَّ الرِّدَّةَ لَا تُنَافِي الْمِلْكَ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ، وَلَوْ ارْتَدَّ السَّيِّدُ ثُمَّ أَسْلَمَ لَزِمَهُ الِاسْتِبْرَاءُ أَيْضًا، وَلَوْ عَبَّرَ بِزَوَالِ رِدَّةٍ لَعَمَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَرْعٌ: لَوْ زَوَّجَ السَّيِّدُ أَمَتَهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ الِاسْتِبْرَاءُ لِمَا مَرَّ، وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ فَاعْتَدَّتْ مِنْ الزَّوْجِ لَمْ يَدْخُلْ الِاسْتِبْرَاءُ فِي الْعِدَّةِ، بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مِنْهُ
المتن: لَا مَنْ خَلَتْ مِنْ صَوْمٍ وَاعْتِكَافٍ وَإِحْرَامٍ، وَفِي الْإِحْرَامِ وَجْهٌ
الشَّرْحُ: تَنْبِيهٌ وَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ فِي جَارِيَةٍ وَقَبَضَهَا فَوَجَدَهَا بِغَيْرِ الصِّفَةِ الْمَشْرُوطَةِ فَرَدَّهَا لَزِمَ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ، وَهُوَ أَنَّ الْمِلْكَ فِي هَذِهِ زَالَ ثُمَّ عَادَ بِالرَّدِّ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَمْ يَزُلْ، وَلِهَذَا حَذَفَهُ ابْنُ الْمُقْرِي (لَا مَنْ) أَيْ أَمَةٌ (خَلَتْ مِنْ) مَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِهِ كَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَ (صَوْمٍ وَاعْتِكَافٍ) أَوْ يَتَوَقَّفُ وَأَذِنَ فِيهِ كَرَهْنٍ (وَإِحْرَامٍ) بَعْدَ حُرْمَتِهَا عَلَى سَيِّدِهَا بِذَلِكَ لَا يَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا بَعْدَ حِلِّهَا مِمَّا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا بِذَلِكَ لَا تَحِلُّ بِالْمِلْكِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ وَالرِّدَّةِ (وَفِي الْإِحْرَامِ وَجْهٌ) أَنَّهُ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ بَعْدَ الْحِلِّ مِنْهُ كَالرِّدَّةِ، وَرُدَّ هَذَا بِمَا مَرَّ تَنْبِيهٌ: قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهَا فَعَلَتْ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ أَمَّا لَوْ اشْتَرَاهَا مُحْرِمَةً أَوْ صَائِمَةً صَوْمًا وَاجِبًا أَوْ مُعْتَكِفَةً اعْتِكَافًا مَنْذُورًا بِإِذْنِ سَيِّدِهَا، فَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ، وَهَلْ يَكْفِي مَا وَقَعَ فِي زَمَنِ الْعِبَادَاتِ الثَّلَاثِ أَمْ يَجِبُ اسْتِبْرَاءٌ جَدِيدٌ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْعِرَاقِيِّينَ الْأَوَّلُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ الِاسْتِبْرَاءُ فِي الصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ؟ أُجِيبَ بِتَصَوُّرِهِ فِي ذَاتِ الْأَشْهُرِ وَالْحَامِلِ
المتن: وَلَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ اُسْتُحِبَّ، وَقِيلَ يَجِبُ
الشَّرْحُ: (وَلَوْ اشْتَرَى) حُرٌّ (زَوْجَتَهُ) الْأَمَةَ (اُسْتُحِبَّ) لَهُ الِاسْتِبْرَاءُ لِيَتَمَيَّزَ وَلَدُ الْمِلْكِ مِنْ وَلَدِ النِّكَاحِ، لِأَنَّهُ بِالنِّكَاحِ يَنْعَقِدُ الْوَلَدُ رَقِيقًا ثُمَّ يَعْتِقُ، فَلَا يَكُونُ كُفْئًا لِحُرَّةٍ أَصْلِيَّةٍ وَلَا تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ، وَبِمِلْكِ الْيَمِينِ يَنْعَكِسُ الْحُكْمُ (وَقِيلَ يَجِبُ) الِاسْتِبْرَاءُ لِتَجَدُّدِ الْمِلْكِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ لِتَجَدُّدِ الْحِلِّ وَلَمْ يَتَجَدَّدْ، لَكِنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ لِلتَّرَدُّدِ فِي أَنَّهُ يَطَأُ بِالْمِلْكِ الضَّعِيفِ الَّذِي لَا يُبِيحُ الْوَطْءَ أَوْ بِالزَّوْجِيَّةِ، فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهَا لِغَيْرِهِ وَقَدْ وَطِئَهَا وَهِيَ زَوْجَةٌ اعْتَدَّتْ مِنْهُ بِقُرْأَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُزَوِّجَهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا انْفَسَخَ النِّكَاحُ وَجَبَ أَنْ تَعْتَدَّ مِنْهُ فَلَا تَنْكِحَ غَيْرَهُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا بِذَلِكَ، وَلَوْ مَاتَ عَقِبَ الشِّرَاءِ لَمْ يَلْزَمْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ لِأَنَّهُ مَاتَ وَهِيَ مَمْلُوكَتُهُ، وَتَعْتَدُّ مِنْهُ بِقُرْأَيْنِ، أَمَّا لَوْ مَلَكَ الْمُكَاتَبُ أَوْ الْمُبَعَّضُ زَوْجَتَهُ فَإِنَّ النِّكَاحَ يَنْفَسِخُ، وَلَا يَحِلُّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَطْؤُهَا وَلَوْ بِإِذْنِ سَيِّدِهَا
المتن: وَلَوْ مَلَكَ مُزَوَّجَةً أَوْ مُعْتَدَّةً لَمْ يَجِبْ، فَإِنْ زَالَا وَجَبَ فِي الْأَظْهَرِ
الشَّرْحُ: (وَلَوْ مَلَكَ) أَمَةً (مُزَوَّجَةً أَوْ مُعْتَدَّةً) مِنْ زَوْجٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ مَعَ عِلْمِهِ بِمَا ذُكِرَ أَوْ جَهْلِهِ وَأَجَازَ الْبَيْعَ (لَمْ يَجِبْ) عَلَيْهِ اسْتِبْرَاؤُهَا حَالًا لِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِحَقِّ غَيْرِهِ (فَإِنْ زَالَا) أَيْ الزَّوْجِيَّةُ وَالْعِدَّةُ بِأَنْ طَلُقَتْ الْأَمَةُ الْمُزَوَّجَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ وَانْقَضَتْ عِدَّةُ الزَّوْجِ أَوْ الشُّبْهَةِ (وَجَبَ) حِينَئِذٍ الِاسْتِبْرَاءُ (فِي الْأَظْهَرِ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَوُجُودِ الْمُقْتَضِي، وَالثَّانِي لَا يَجِبُ لَهُ وَطْؤُهَا فِي الْحَالِ اكْتِفَاءً بِالْعِدَّةِ، وَعَلَيْهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ وَيَطَؤُهَا فِي الْحَالِ تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ غَيْرِهِ أَمَّا لَوْ اشْتَرَى أَمَةً مُعْتَدَّةً مِنْهُ وَلَوْ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ زَوْجَتِهِ، وَهَذَا مِمَّا اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ يُزِيلُ الزَّوْجِيَّةَ، وَكَأَنَّهُمْ ارْتَكَبُوهُ هُنَا لِلِاحْتِيَاطِ
المتن: الثَّانِي: زَوَالُ فِرَاشٍ عَنْ أَمَةٍ مَوْطُوءَةٍ أَوْ مُسْتَوْلَدَةٍ بِعِتْقٍ أَوْ مَوْتِ السَّيِّدِ
الشَّرْحُ: فُرُوعٌ: يُسَنُّ لِلْمَالِكِ اسْتِبْرَاءُ الْأَمَةِ الْمَوْطُوءَةِ لِلْبَيْعِ قَبْلَ بَيْعِهِ لَهَا لِيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْهَا، وَلَوْ وَطِئَ أَمَةً شَرِيكَانِ فِي حَيْضٍ أَوْ طُهْرٍ ثُمَّ بَاعَهَا أَوْ أَرَادَا تَزْوِيجَهَا أَوْ وَطِئَ اثْنَانِ أَمَةَ رَجُلٍ كُلٌّ يَظُنُّهَا أَمَتَهُ وَأَرَادَ الرَّجُلُ تَزْوِيجَهَا وَجَبَ اسْتِبْرَاءَانِ كَالْعِدَّتَيْنِ مِنْ شَخْصَيْنِ، وَلَوْ بَاعَ جَارِيَةً لَمْ يُقِرَّ بِوَطْئِهَا فَظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ وَادَّعَاهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ مِنْهُ، وَيَثْبُتُ نَسَبُ الْبَائِعِ عَلَى الْأَوْجَهِ مِنْ خِلَافٍ فِيهِ، إذْ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي الْمَالِيَّةِ، وَالْقَائِلُ بِخِلَافِهِ عَلَّلَهُ بِأَنَّ ثُبُوتَهُ يَقْطَعُ إرْثَ الْمُشْتَرِي بِالْوَلَاءِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا وَبَاعَهَا نَظَرْتَ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ اسْتَبْرَأَهَا فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ اسْتِبْرَائِهَا مِنْهُ لَحِقَهُ وَبَطَلَ الْبَيْعُ لِثُبُوتِ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ فَالْوَلَدُ مَمْلُوكٌ لِلْمُشْتَرِي إنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَهَا، وَإِلَّا فَإِنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُ بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ وَطْئِهِ لَحِقَهُ وَصَارَتْ الْأَمَةُ مُسْتَوْلَدَةً لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ اسْتَبْرَأَهَا قَبْلَ الْبَيْعِ فَالْوَلَدُ لَهُ إنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُ إلَّا إنْ وَطِئَهَا الْمُشْتَرِي وَأَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُمَا فَيُعْرَضُ عَلَى الْقَائِفِ السَّبَبُ (الثَّانِي: زَوَالُ فِرَاشٍ عَنْ أَمَةٍ مَوْطُوءَةٍ) بِمِلْكِ الْيَمِينِ غَيْرِ مُسْتَوْلَدَةٍ (أَوْ مُسْتَوْلَدَةٍ بِعِتْقٍ) مُنَجَّزٍ (أَوْ مَوْتِ السَّيِّدِ) عَنْهَا فَيَجِبُ عَلَيْهَا الِاسْتِبْرَاءُ لِزَوَالِ فِرَاشِهَا كَمَا تَجِبُ الْعِدَّةُ عَلَى الْمُفَارَقَةِ عَنْ نِكَاحٍ، وَاسْتِبْرَاؤُهَا بِقَرْءٍ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ، وَخَرَجَ بِمَوْطُوءَةٍ مَنْ لَمْ تُوطَأْ فَلَا اسْتِبْرَاءَ بِعِتْقِهَا جَزْمًا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَمَا لَوْ مَاتَ السَّيِّدُ عَنْ أَمَةٍ مَوْطُوءَةٍ لَمْ يُعْتِقْهَا فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ لِلْوَارِثِ، وَعَلَيْهِ اسْتِبْرَاؤُهَا لِحُدُوثِ مِلْكِهِ فَيَكُونُ مِنْ السَّبَبِ الْأَوَّلِ تَنْبِيهٌ: لَوْ عَتَقَتْ الْأَمَةُ وَهِيَ مُزَوَّجَةٌ أَوْ مُعْتَدَّةٌ عَنْ زَوْجٍ لَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِرَاشًا لِلسَّيِّدِ، وَلِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ لِحِلِّ التَّمَتُّعِ وَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِحَقِّ الزَّوْجِ، بِخِلَافِهَا فِي عِدَّةِ وَطْءِ الشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ بِذَلِكَ فِرَاشًا لِغَيْرِ السَّيِّدِ
المتن: وَلَوْ مَضَتْ مُدَّةُ اسْتِبْرَاءٍ عَلَى مُسْتَوْلِدَةٍ ثُمَّ أَعْتَقَهَا أَوْ مَاتَ وَجَبَ فِي الْأَصَحِّ قُلْت: وَلَوْ اسْتَبْرَأَ أَمَةً مَوْطُوءَةً فَأَعْتَقَهَا لَمْ يَجِبْ وَتَتَزَوَّجُ فِي الْحَالِ إذْ لَا تُشْبِهُ مَنْكُوحَةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
الشَّرْحُ: (وَلَوْ مَضَتْ مُدَّةُ اسْتِبْرَاءٍ عَلَى مُسْتَوْلَدَةٍ ثُمَّ أَعْتَقَهَا) سَيِّدُهَا (أَوْ مَاتَ) عَنْهَا وَهِيَ غَيْرُ مُزَوَّجَةٍ (وَجَبَ) عَلَيْهَا الِاسْتِبْرَاءُ (فِي الْأَصَحِّ) وَلَا تَعْتَدُّ بِمَا مَضَى كَمَا لَا تَعْتَدُّ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَقْرَاءِ عَلَى الطَّلَاقِ الثَّانِي: لَا يَجِبُ لِحُصُولِ الْبَرَاءَةِ (قُلْت): كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ (وَلَوْ اسْتَبْرَأَ) السَّيِّدُ (أَمَةً مَوْطُوءَةً) غَيْرَ مُسْتَوْلَدَةٍ (فَأَعْتَقَهَا لَمْ يَجِبْ) عَلَيْهَا الِاسْتِبْرَاءُ (وَتَتَزَوَّجُ فِي الْحَالِ) عَقِبَ عِتْقِهَا (إذْ لَا تُشْبِهُ مَنْكُوحَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ فِرَاشَهَا يَزُولُ بِالِاسْتِبْرَاءِ اتِّفَاقًا بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَوْ أَتَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَهُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَلْحَقْهُ، بِخِلَافِ الْمُسْتَوْلَدَةِ، فَإِنَّ فِيهَا قَوْلَيْنِ كَمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَئِمَّةِ
المتن: وَيَحْرُمُ تَزْوِيجُ أَمَةٍ مَوْطُوءَةٍ وَمُسْتَوْلَدَةٍ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ الْمَاءَانِ
الشَّرْحُ: (وَيَحْرُمُ تَزْوِيجُ أَمَةٍ مَوْطُوءَةٍ) بِغَيْرِ اسْتِيلَادٍ، سَوَاءٌ وَطِئَهَا الْمَالِكُ أَوْ مَلَكَهَا مِنْ جِهَتِهِ وَلَمْ يَكُنْ اسْتَبْرَأَهَا (وَمُسْتَوْلَدَةٍ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ الْمَاءَانِ) فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَرَّ أَنَّهُ يُسَنُّ لِلْمَالِكِ اسْتِبْرَاءُ الْأَمَةِ الْمَوْطُوءَةِ لِلْبَيْعِ فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ مَقْصُودَ التَّزْوِيجِ الْوَطْءُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَعْقِبَ الْحِلَّ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، نَعَمْ لَوْ زَوَّجَهَا مِمَّنْ وَطِئَهَا لَمْ يَجِبْ اسْتِبْرَاءٌ كَمَا يَجُوزُ لِوَاطِئِ امْرَأَةٍ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي عِدَّتِهِ
المتن: وَلَوْ أَعْتَقَ مُسْتَوْلَدَتَهُ فَلَهُ نِكَاحُهَا بِلَا اسْتِبْرَاءٍ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ أَعْتَقَهَا أَوْ مَاتَ، وَهِيَ مُزَوَّجَةٌ فَلَا اسْتِبْرَاءَ
الشَّرْحُ: (وَلَوْ أَعْتَقَ مُسْتَوْلَدَتَهُ فَلَهُ نِكَاحُهَا بِلَا اسْتِبْرَاءٍ فِي الْأَصَحِّ) كَمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ الْمُعْتَدَّةَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لِوَاحِدٍ، وَالثَّانِي: لَا، لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ يَقْتَضِي الِاسْتِبْرَاءَ فَيَتَوَقَّفُ نِكَاحُهُ عَلَيْهِ كَتَزْوِيجِهَا لِغَيْرِهِ (وَلَوْ أَعْتَقَهَا) سَيِّدُهَا (أَوْ مَاتَ) عَنْهَا (وَهِيَ) فِي الصُّورَتَيْنِ (مُزَوَّجَةٌ) أَوْ مُعْتَدَّةٌ (فَلَا اسْتِبْرَاءَ) يَجِبُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِرَاشًا لَهُ بَلْ لِلزَّوْجِ فَهِيَ كَغَيْرِ الْمَوْطُوءَةِ، وَلِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ لِحِلِّ الِاسْتِمْتَاعِ، وَهُمَا مَشْغُولَتَانِ بِحَقِّ الزَّوْجِ بِخِلَافِهِمَا فِي عِدَّةِ وَطْءِ شُبْهَةٍ لِقُصُورِهَا عَنْ دَفْعِ الِاسْتِبْرَاءِ الَّذِي هُوَ مُقْتَضَى الْعِتْقِ وَالْمَوْتِ، وَلِأَنَّهُمَا لَمْ يَصِيرَا بِذَلِكَ فِرَاشًا لِغَيْرِ السَّيِّدِ
المتن: وَهُوَ بِقَرْءٍ، وَهُوَ حَيْضَةٌ كَامِلَةٌ فِي الْجَدِيدِ
الشَّرْحُ:
فَرْعٌ: لَوْ مَاتَ سَيِّدُ الْمُسْتَوْلَدَةِ الْمُزَوَّجَةِ ثُمَّ مَاتَ زَوْجُهَا أَوْ مَاتَا مَعًا اعْتَدَّتْ كَالْحُرَّةِ لِتَأَخُّرِ سَبَبِ الْعِدَّةِ فِي الْأُولَى وَاحْتِيَاطًا لَهَا فِي الثَّانِيَةِ وَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَعُدْ إلَى فِرَاشِ السَّيِّدِ، وَإِنْ تَقَدَّمَ مَوْتُ الزَّوْجِ مَوْتَ سَيِّدِهَا اعْتَدَّتْ عِدَّةَ أَمَةٍ، وَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا إنْ مَاتَ السَّيِّدُ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ كَمَا مَرَّ، فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ فَرَاغِ الْعِدَّةِ لَزِمَهَا الِاسْتِبْرَاءُ لِعَوْدِهَا فِرَاشًا لَهُ عَقِبَ الْعِدَّةِ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ وَلَمْ يُعْلَمْ السَّابِقُ مِنْهُمَا أَوْ لَمْ يُعْلَمْ هَلْ مَاتَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا نَظَرْتَ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَ مَوْتِهِمَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا فَمَا دُونَهَا لَمْ يَلْزَمْهَا اسْتِبْرَاءٌ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ عِنْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ - الَّذِي يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ بِسَبَبِهِ - زَوْجَةً إنْ مَاتَ السَّيِّدُ أَوَّلًا، أَوْ مُعْتَدَّةً إنْ مَاتَ الزَّوْجُ أَوَّلًا، وَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا فِي الْحَالَيْنِ كَمَا مَرَّ، وَيَلْزَمُهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ مِنْ مَوْتِ الثَّانِي لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَوْتُ السَّيِّدِ أَوَّلًا فَتَكُونَ حُرَّةً عِنْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ جُهِلَ قَدْرُهُ لَزِمَهَا الْأَكْثَرُ مِنْ عِدَّةِ الْوَفَاةِ، وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَمِنْ حَيْضَةٍ لِاحْتِمَالِ تَقَدُّمِ مَوْتِ الزَّوْجِ فَتَكُونُ عِنْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ فِرَاشًا لَهُ فَيَلْزَمُهَا الِاسْتِبْرَاءُ، وَيُحْتَمَلُ تَقَدُّمُ مَوْتِ السَّيِّدِ، فَتَكُونُ عِنْدَ مَوْتِ الزَّوْجِ حُرَّةً فَيَلْزَمُهَا الْعِدَّةُ فَوَجَبَ أَكْثَرُهُمَا لِتَخْرُجَ عَمَّا عَلَيْهَا بِيَقِينٍ (وَهُوَ) أَيْ قَدْرُ الِاسْتِبْرَاءِ يَحْصُلُ لِذَاتِ أَقْرَاءٍ (بِقَرْءٍ، وَهُوَ حَيْضَةٌ كَامِلَةٌ) بَعْدَ انْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَيْهِ (فِي الْجَدِيدِ) لِلْخَبَرِ السَّابِقِ، فَلَا يَكْفِي بَقِيَّةُ الْحَيْضَةِ الَّتِي وُجِدَ السَّبَبُ فِي أَثْنَائِهَا، وَتَنْتَظِرُ ذَاتُ الْأَقْرَاءِ الْكَامِلَةِ إلَى سِنِّ الْيَأْسِ كَالْمُعْتَدَّةِ، وَفِي الْقَدِيمِ وَحُكِيَ عَنْ الْإِمْلَاءِ أَيْضًا وَهُوَ مِنْ الْجَدِيدِ أَنَّهُ الطُّهْرُ كَمَا فِي الْعِدَّةِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْعِدَّةَ تَتَكَرَّرُ فِيهَا الْأَقْرَاءُ كَمَا مَرَّ فَتُعْرَفُ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ بِالْحَيْضِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَهَا، وَهُنَا لَا يَتَكَرَّرُ فَيُعْتَمَدُ الْحَيْضُ الدَّالُّ عَلَى الْبَرَاءَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُكْتَفَ بِبَقِيَّةِ الْحَيْضَةِ كَمَا اُكْتُفِيَ بِبَقِيَّةِ الطُّهْرِ فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ بَقِيَّةَ الطُّهْرِ تَسْتَعْقِبُ الْحَيْضَةَ الدَّالَّةَ عَلَى الْبَرَاءَةِ وَهَذَا يَسْتَعْقِبُ الطُّهْرَ، وَلَا دَلَالَةَ عَلَى الْبَرَاءَةِ
المتن: وَذَاتُ أَشْهُرٍ بِشَهْرٍ، وَفِي قَوْلٍ بِثَلَاثَةٍ، وَحَامِلٌ مَسْبِيَّةٌ أَوْ زَالَ عَنْهَا فِرَاشُ سَيِّدٍ بِوَضْعِهِ، وَإِنْ مُلِكَتْ بِشِرَاءٍ فَقَدْ سَبَقَ أَنْ لَا اسْتِبْرَاءَ فِي الْحَالِ قُلْت: يَحْصُلُ الِاسْتِبْرَاءُ بِوَضْعِ حَمْلِ زِنًا فِي الْأَصَحِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
الشَّرْحُ: (وَذَاتُ أَشْهُرٍ) مِنْ صَغِيرَةٍ وَغَيْرِهَا يَحْصُلُ اسْتِبْرَاؤُهَا (بِشَهْرٍ) فَقَطْ فَإِنَّهُ كَقَرْءٍ فِي الْحُرَّةِ، فَكَذَا فِي الْأَمَةِ (وَفِي قَوْلٍ) يَحْصُلُ اسْتِبْرَاؤُهَا (بِثَلَاثَةٍ) مِنْ أَشْهُرٍ نَظَرًا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الرَّحِمِ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَالْمُتَحَيِّرَةُ تُسْتَبْرَأُ بِشَهْرٍ أَيْضًا عَلَى الْأَوَّلِ (وَ) أَمَةٌ (حَامِلٌ مَسْبِيَّةٌ) وَهِيَ الَّتِي مُلِكَتْ بِالسَّبْيِ لَا بِالشِّرَاءِ (أَوْ) أَمَةٌ حَائِلٌ غَيْرُ مَسْبِيَّةٍ وَلَكِنْ (زَالَ عَنْهَا فِرَاشُ سَيِّدٍ) لَهَا بِعِتْقِهِ لَهَا أَوْ مَوْتِهِ يَحْصُلُ اسْتِبْرَاؤُهَا (بِوَضْعِهِ) أَيْ الْحَمْلِ فِي الصُّورَتَيْنِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ (وَإِنْ مُلِكَتْ) حَامِلٌ (بِشِرَاءٍ) أَوْ نَحْوِهِ وَهِيَ فِي نِكَاحٍ أَوْ عِدَّةٍ (فَقَدْ سَبَقَ) عِنْدَ قَوْلِهِ: وَلَوْ مَلَكَ مُزَوَّجَةً أَوْ مُعْتَدَّةً (أَنْ لَا اسْتِبْرَاءَ فِي الْحَالِ) وَأَنَّهُ يَجِبُ بَعْدَ زَوَالِهَا فِي الْأَظْهَرِ فَلَا يَكُونُ الِاسْتِبْرَاءُ هُنَا بِالْوَضْعِ، لِأَنَّهُ إمَّا غَيْرُ وَاجِبٍ أَوْ مُؤَخَّرٌ عَنْ الْوَضْعِ (قُلْت: يَحْصُلُ الِاسْتِبْرَاءُ بِوَضْعِ حَمْلِ) أَمَةٍ مِنْ (زِنًا فِي الْأَصَحِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِعُمُومِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَعْرِفَةُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِهِ، وَالثَّانِي: لَا يَحْصُلُ الِاسْتِبْرَاءُ بِهِ كَمَا لَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْعِدَّةَ مُخْتَصَّةٌ بِالتَّأْكِيدِ بِدَلِيلِ اشْتِرَاطِ التَّكْرَارِ فِيهَا دُونَ الِاسْتِبْرَاءِ، وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ حَقُّ الزَّوْجِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يُكْتَفَى بِوَضْعِ حَمْلِ غَيْرِهِ، بِخِلَافِ الِاسْتِبْرَاءِ الْحَقُّ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى تَنْبِيهٌ: يُكْتَفَى بِحَيْضَةٍ فِي الْحَامِلِ مِنْ زِنًا؛ لِأَنَّ حَمْلَ الزِّنَا لَا حُرْمَةَ لَهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَمْلَ الْحَادِثَ مِنْ الزِّنَا كَالْمُقَارِنِ؛ لِأَنَّهُمْ اكْتَفَوْا بِالْحَيْضِ الْحَادِثِ لَا بِالْمُقَارِنِ، وَاكْتَفَوْا بِالْحَمْلِ الْمُقَارِنِ فَبِالْحَادِثِ أَوْلَى، قَالَ: وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ أَشْهُرٍ وَحَمَلَتْ مِنْ الزِّنَا لَمْ يَحْصُلُ الِاسْتِبْرَاءُ بِمُضِيِّ شَهْرٍ، وَالْمَجْزُومُ بِهِ فِي الْعُدَّةِ فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَصِحُّ كَلَامُهُ بِأَنَّ الْحَادِثَ كَالْمُقَارِنِ مَعَ قَوْلِهِ: إنَّهُ يَحْصُلُ بِشَهْرٍ مَعَ وُجُودِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ يُتَصَوَّرُ بِاسْتِمْرَارِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ حَتَّى تَضَعَ فِيهِ، فَإِنَّ الِاسْتِبْرَاءَ إنَّمَا يُعْتَبَرُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ كَمَا سَيَأْتِي عَلَى الْأَثَرِ
المتن: وَلَوْ مَضَى زَمَنُ اسْتِبْرَاءٍ بَعْدَ الْمِلْكِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ حُسِبَ إنْ مَلَكَ بِإِرْثٍ وَكَذَا شِرَاءٍ فِي الْأَصَحِّ، لَا هِبَةٍ
الشَّرْحُ: (وَلَوْ مَضَى زَمَنُ اسْتِبْرَاءٍ) عَلَى أَمَةٍ (بَعْدَ الْمِلْكِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ) (حُسِبَ) زَمَنُهُ (إنْ مَلَكَ) هَا (بِإِرْثٍ) لِأَنَّ الْمِلْكَ بِهِ مَقْبُوضٌ حُكْمًا، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الْقَبْضُ حِسًّا بِدَلِيلِ صِحَّةِ بَيْعِهِ تَنْبِيهٌ: قَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ: مَحَلُّهُ أَنْ تَكُونَ مَقْبُوضَةً لِلْمُوَرِّثِ، أَمَّا لَوْ ابْتَاعَهَا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ قَبْضِهَا لَمْ يُعْتَدَّ بِاسْتِبْرَائِهَا إلَّا بَعْدَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْوَارِثُ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ (وَكَذَا شِرَاءٍ) مُلِكَتْ بِهِ الْأَمَةُ وَنَحْوِهِ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ بَعْدَ لُزُومِهَا فَإِنَّهُ كَمِلْكِ الْأَمَةِ بِإِرْثٍ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْمِلْكَ لَازِمٌ فَأَشْبَهَ مَا بَعْدَ الْقَبْضِ وَالثَّانِي: لَا يُحْسَبُ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ، أَمَّا إذَا جَرَى الِاسْتِبْرَاءُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ إنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ أَوْ مَوْقُوفٌ، وَكَذَا لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْأَصَحِّ لِضَعْفِ الْمِلْكِ، فَلَوْ قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ الْمِلْكَ بِالتَّامِّ لَخَرَجَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ سَبَقَ فِي بَابِ الْخِيَارِ: أَنَّ الْخِيَارَ إذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَقَطْ أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَيَلْزَمُ مِنْ حِلِّهِ الِاعْتِدَادُ بِالِاسْتِبْرَاءِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحِلِّ هُنَاكَ ارْتِفَاعُ التَّحْرِيمِ الْمُسْتَنِدِ لِضَعْفِ الْمِلْكِ وَانْقِطَاعُ سَلْطَنَةِ الْبَائِعِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِحَقِّهِ، وَإِنْ بَقِيَ التَّحْرِيمُ الْمُسْتَنِدُ لِضَعْفِ الْمِلْكِ، وَانْقِطَاعُ التَّحْرِيمِ لِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ الِاسْتِبْرَاءُ، وَقَدْ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الْخِيَارِ (لَا هِبَةٍ) جَرَى الِاسْتِبْرَاءُ بَعْدَ عَقْدِهَا وَقَبْلَ قَبْضِهَا فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ لِتَوَقُّفِ الْمِلْكِ فِيهَا عَلَى الْقَبْضِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا فَإِنْ قِيلَ: إنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ تُوهِمُ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ مِنْ صُوَرِ الِاسْتِبْرَاءِ بَعْدَ الْمِلْكِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا لَا تُمْلَكُ إلَّا بِالْقَبْضِ. أُجِيبَ بِدَفْعِ ذَلِكَ، إذْ شَرْطُ الْعَطْفِ بِلَا أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَهَا غَيْرَ صَادِقٍ عَلَى مَا قَبْلَهَا كَمَا قَالَهُ السُّهَيْلِيُّ، وَتَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَى ذَلِكَ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَقِيلَ: طَاهِرٌ لَا طَهُورٌ تَنْبِيهٌ: الْأَمَةُ الْمُوصَى بِهَا إذَا مَضَى زَمَنُ الِاسْتِبْرَاءِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَبَعْدَ قَبُولِ الْمُوصَى لَهُ يُحْسَبُ كَمَا فِي الْإِرْثِ، وَكَذَا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَقَبْلَ الْمُوصَى لَهُ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فَإِنْ قِيلَ: هَلَّا كَانَ ذَلِكَ كَمَغِيبِهَا فِي مُدَّةِ خِيَارِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ لَا يَحْصُلُ كَمَا مَرَّ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْمُوصَى بِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ أَقْوَى مِنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي لَهَا فِي زَمَنِ الْخِيَارِ ثُمَّ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِقَاعِدَةٍ وَهِيَ أَنَّ كُلَّ اسْتِبْرَاءٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ اسْتِبَاحَةُ وَطْءٍ لَا يُعْتَدُّ بِهِ بِقَوْلِهِ
المتن: وَلَوْ اشْتَرَى مَجُوسِيَّةً فَحَاضَتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ لَمْ يَكْفِ
الشَّرْحُ: (وَلَوْ اشْتَرَى) أَمَةً (مَجُوسِيَّةً) أَوْ نَحْوَهَا كَمُرْتَدَّةٍ (فَحَاضَتْ) أَوْ وُجِدَ مِنْهَا مَا يَحْصُلُ بِهِ الِاسْتِبْرَاءُ مِنْ وَضْعِ حَمْلٍ أَوْ مُضِيِّ شَهْرٍ لِغَيْرِ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ (ثُمَّ أَسْلَمَتْ) بَعْدَ انْقِضَاءِ ذَلِكَ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ (لَمْ يَكْفِ) هَذَا الِاسْتِبْرَاءُ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَعْقِبُ حِلَّ الِاسْتِمْتَاعِ الَّذِي هُوَ الْقَصْدُ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَالثَّانِي يُكْتَفَى بِذَلِكَ لِوُقُوعِهِ فِي الْمِلْكِ الْمُسْتَقِرِّ تَنْبِيهٌ: يَلْتَحِقُ بِشِرَاءِ الْمَجُوسِيَّةِ وَنَحْوِهَا مَا لَوْ اشْتَرَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ جَارِيَةً وَكَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ وَطْؤُهَا وَلَوْ مَضَتْ مُدَّةُ الِاسْتِبْرَاءِ، فَإِذَا زَالَ الدَّيْنُ بِقَضَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ لَمْ يَكْفِ مَا حَصَلَ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ قَبْلَهُ فِي الْأَصَحِّ، وَهَلْ يُعْتَدُّ بِاسْتِبْرَاءِ الْمَرْهُونَةِ فَلَا تَجِبُ إعَادَتُهُ بَعْدَ انْفِكَاكِ الرَّهْنِ أَوْ لَا؟ جَرَى ابْنُ الْمُقْرِي عَلَى الْأَوَّلِ تَبَعًا لِلرُّويَانِيِّ، وَجَرَى الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى الثَّانِي تَبَعًا لِابْنِ الصَّبَّاغِ، وَهُوَ أَوْجَهُ، إذَا تَعَلَّقَ الْغُرَمَاءُ بِمَا فِي يَدِ الْعَبْدِ إنْ لَمْ يَنْقُصْ عَنْ تَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ
المتن: وَيَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ بِالْمُسْتَبْرَأَةِ إلَّا مَسْبِيَّةً فَيَحِلُّ غَيْرُ وَطْءٍ وَقِيلَ لَا
الشَّرْحُ: (وَيَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ بِالْمُسْتَبْرَأَةِ) قَبْلَ انْقِضَاءِ الِاسْتِبْرَاءِ بِوَطْءٍ لِمَا مَرَّ وَغَيْرُهُ كَقُبْلَةٍ وَنَظَرٍ بِشَهْوَةٍ قِيَاسًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ، وَإِذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ حَلَّ مَا عَدَا الْوَطْءَ عَلَى الصَّحِيحِ وَبَقِيَ تَحْرِيمُ الْوَطْءِ إلَى الِاغْتِسَالِ (إلَّا) مُسْتَبْرَأَةً (مَسْبِيَّةً) وَقَعَتْ فِي سَهْمِهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ (فَيَحِلُّ) لَهُ مِنْهَا (غَيْرُ وَطْءٍ) مِنْ أَنْوَاعِ الِاسْتِمْتَاعَاتِ لِمَفْهُومِ الْخَبَرِ السَّابِقِ، وَلِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: " وَقَعَتْ فِي سَهْمِي جَارِيَةٌ مِنْ سَبْيِ جَلُولَاءَ فَنَظَرْتُ إلَيْهَا فَإِذَا عُنُقُهَا مِثْلُ إبْرِيقِ الْفِضَّةِ فَلَمْ أَتَمَالَكْ أَنْ قَبَّلْتُهَا وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيَّ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ " وَجَلُولَاءُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمَدِّ قَرْيَةٌ مِنْ نَوَاحِي فَارِسَ، وَالنِّسْبَةُ إلَيْهَا جَلُولِيٌّ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، فُتِحَتْ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ الْهِجْرَةِ فَبَلَغَتْ غَنَائِمُهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ أَلْفٍ، وَفَارَقَتْ الْمَسْبِيَّةُ غَيْرَهَا بِأَنَّ غَايَتَهَا أَنْ تَكُونَ مُسْتَوْلَدَةَ حَرْبِيٍّ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْمِلْكَ، وَإِنَّمَا حَرُمَ وَطْؤُهَا صِيَانَةً لِمَائِهِ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ بِمَاءِ حَرْبِيٍّ لَا لِحُرْمَةِ مَاءِ الْحَرْبِيِّ (وَقِيلَ: لَا) يَحِلُّ الِاسْتِمْتَاعُ بِالْمَسْبِيَّةِ أَيْضًا كَغَيْرِهَا وَهُوَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ كَمَا حَكَاهُ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَالْمُشْتَرَاةُ مِنْ حَرْبِيٍّ كَالْمَسْبِيَّةِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ وَنَحْوِهِ وَالْعَهْدُ قَرِيبٌ، وَخَرَجَ بِالِاسْتِمْتَاعِ الِاسْتِخْدَامُ فَلَا يَحْرُمُ، وَلَا يُفْهَمُ مِنْ تَحْرِيمِ الِاسْتِمْتَاعِ تَحْرِيمُ الْخَلْوَةِ بِهَا وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُمْ: وَلَا تُزَالُ يَدُ السَّيِّدِ عَنْ أَمَتِهِ الْمُسْتَبْرَأَةِ مُدَّةَ الِاسْتِبْرَاءِ وَإِنْ كَانَتْ حَسْنَاءَ بَلْ هُوَ مُؤْتَمَنٌ فِيهِ شَرْعًا؛ لِأَنَّ سَبَايَا أَوْطَاسٍ لَمْ يُنْتَزَعْنَ مِنْ أَيْدِي أَصْحَابِهِنَّ، فَإِنْ وَطِئَهَا السَّيِّدُ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ لَمْ يَنْقَطِعْ الِاسْتِبْرَاءُ وَإِنْ أَثِمَ بِهِ، فَإِنْ حَبِلَتْ مِنْهُ قَبْلَ الْحَيْضِ بَقِيَ التَّحْرِيمُ حَتَّى تَضَعَ، أَوْ فِي أَثْنَائِهِ حَلَّتْ بِانْقِطَاعِهِ لِتَمَامِهِ قَالَ الْإِمَامُ: هَذَا إنْ مَضَى قَبْلَ وَطْئِهِ أَقَلُّ الْحَيْضِ وَإِلَّا فَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَضَعَ كَمَا لَوْ أَحْبَلَهَا قَبْلَ الْحَيْضِ ا هـ وَهُوَ حَسَنٌ
المتن: وَإِذَا قَالَتْ: حِضْت صُدِّقَتْ، وَلَوْ مَنَعَتْ السَّيِّدَ فَقَالَ: أَخْبَرْتنِي بِتَمَامِ الِاسْتِبْرَاءِ صُدِّقَ
الشَّرْحُ: (وَإِذَا قَالَتْ) أَمَةٌ فِي زَمَنِ اسْتِبْرَائِهَا (حِضْتُ صُدِّقَتْ) بِلَا يَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهَا غَالِبًا، وَإِنَّمَا لَمْ تُحَلَّفْ لِأَنَّهَا لَوْ نَكَلَتْ لَمْ يَقْدِرْ السَّيِّدُ عَلَى الْحَلِفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ (وَلَوْ مَنَعَتْ السَّيِّدَ) الْوَطْءَ (فَقَالَ) لَهَا أَنْتِ (أَخْبَرْتِنِي بِتَمَامِ الِاسْتِبْرَاءِ صُدِّقَ) السَّيِّدُ فِي تَمَامِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ مُفَوَّضٌ إلَى أَمَانَتِهِ فَيَحِلُّ وَطْؤُهَا قَبْلَ غُسْلِهَا تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِ تَصْدِيقُهُ بِلَا يَمِينٍ، وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ أَنَّ لَهَا تَحْلِيفَهُ قَالَ: وَعَلَيْهَا الِامْتِنَاعُ بَاطِنًا مِنْ تَمْكِينِهِ إنْ تَحَقَّقَتْ بَقَاءَ شَيْءٍ مِنْ زَمَنِ الِاسْتِبْرَاءِ، وَإِنْ أَبَحْنَاهَا لَهُ فِي الظَّاهِرِ فَرْعَانِ: لَوْ ادَّعَى السَّيِّدُ حَيْضَهَا فَأَنْكَرَتْ صُدِّقَتْ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْإِمَامُ، وَلَوْ وُرِثَتْ أَمَةٌ فَادَّعَتْ أَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ بِوَطْءِ مُوَرِّثِهِ فَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ
المتن: وَلَا تَصِيرُ أَمَةٌ فِرَاشًا إلَّا بِوَطْءٍ، فَإِذَا وَلَدَتْ لِلْإِمْكَانِ مِنْ وَطْئِهِ لَحِقَهُ
الشَّرْحُ: (وَلَا تَصِيرُ أَمَةٌ فِرَاشًا) لِسَيِّدِهَا (إلَّا بِوَطْءٍ) لَا بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ بِالْإِجْمَاعِ: كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَلَا بِالْخَلْوَةِ بِهَا وَلَا بِوَطْئِهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَلَا يَلْحَقُهُ وَلَدُهَا، وَإِنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّهَا تَكُونُ فِرَاشًا بِمُجَرَّدِ الْخَلْوَةِ بِهَا حَتَّى إذَا وَلَدَتْ لِلْإِمْكَانِ مِنْ الْخَلْوَةِ بِهَا لَحِقَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِالْوَطْءِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ النِّكَاحِ التَّمَتُّعُ وَالْوَلَدُ فَاكْتُفِيَ فِيهِ بِالْإِمْكَانِ مِنْ الْخَلْوَةِ، وَمِلْكُ الْيَمِينِ قَدْ يُقْصَدُ بِهِ التِّجَارَةُ وَالِاسْتِخْدَامُ، فَلَا يُكْتَفَى فِيهِ بِالْإِمْكَانِ مِنْ الْوَطْءِ وَيُعْلَمُ الْوَطْءُ بِإِقْرَارِهِ بِهِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الْوَطْءِ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِ تَنْبِيهٌ: شَمِلَ إطْلَاقُهُ الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ، وَقَدْ اضْطَرَبَ فِيهِ كَلَامُهُمَا فَصَحَّحَا فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ، وَصَحَّحَا فِي الْبَابِ التَّاسِعِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ اللُّحُوقَ، وَكَذَا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ وَاللِّعَانِ. وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ اللُّحُوقِ، فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ: الْقَوْلُ بِاللُّحُوقِ ضَعِيفٌ لَا أَصْلَ لَهُ، وَهُوَ يَرُدُّ عَلَى مَنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ مَا هُنَا عَلَى الْأَمَةِ، وَمَا فِي النِّكَاحِ عَلَى الْحُرَّةِ ثُمَّ أَشَارَ لِفَائِدَةِ كَوْنِ الْأَمَةِ فِرَاشًا بِقَوْلِهِ (فَإِذَا وَلَدَتْ لِلْإِمْكَانِ مِنْ وَطْئِهِ) أَيْ السَّيِّدِ (لَحِقَهُ) الْوَلَدُ وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ لِثُبُوتِ الْفِرَاشِ بِالْوَطْءِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {أَلْحَقَ الْوَلَدَ بِزَمْعَةَ مِنْ غَيْرِ إقْرَارٍ مِنْهُ وَلَا مِنْ وَارِثِهِ بِالِاسْتِيلَادِ، وَقَالَ: الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ أَيْ الزَّانِي الْحَجَرُ}: أَيْ الرَّجْمُ إذَا كَانَ مُحْصَنًا كَمَا مَرَّ، وَفِي مَعْنَى الْوَطْءِ مَا إذَا اسْتَدْخَلَتْ مَاءَهُ الْمُحْتَرَمَ
المتن: وَلَوْ أَقَرَّ بِوَطْءٍ وَنَفَى الْوَلَدَ وَادَّعَى اسْتِبْرَاءً لَمْ يَلْحَقْهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، فَإِنْ أَنْكَرَتْ الِاسْتِبْرَاءَ خُلِّفَ أَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْهُ، وَقِيلَ: يَجِبُ تَعَرُّضُهُ لِلِاسْتِبْرَاءِ
الشَّرْحُ: (وَلَوْ أَقَرَّ) السَّيِّدُ (بِوَطْءٍ) لِأَمَتِهِ (وَنَفَى الْوَلَدَ) مِنْهَا (وَادَّعَى) بَعْدَ وَطْئِهَا (اسْتِبْرَاءً) مِنْهَا بِحَيْضَةٍ كَامِلَةٍ وَأَتَى الْوَلَدُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْهَا إلَى أَرْبَعِ سِنِينَ (لَمْ يَلْحَقْهُ) الْوَلَدُ (عَلَى الْمَذْهَبِ) الْمَنْصُوصِ، وَفِي قَوْلٍ يَلْحَقُهُ تَخْرِيجًا مِنْ نَصِّهِ فِيمَا إذَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَمَضَتْ ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَلْحَقُهُ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ فِرَاشَ النِّكَاحِ أَقْوَى مِنْ فِرَاشِ التَّسَرِّي إذْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْإِقْرَارِ بِالْوَطْءِ أَوْ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَقَدْ عَارَضَ الْوَطْءُ هُنَا الِاسْتِبْرَاءَ فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ اللُّحُوقُ، وَلَا بُدَّ مِنْ حَلِفِهِ مَعَ دَعْوَى الِاسْتِبْرَاءِ لِأَجْلِ حَقِّ الْوَلَدِ أَمَّا إذَا أَتَى الْوَلَدُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ فَيَلْحَقُهُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا حِينَئِذٍ تَنْبِيهٌ: وَقَعَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ هُنَا أَنَّ لَهُ نَفْيَهُ حِينَئِذٍ بِاللِّعَانِ قَالَ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَبَقَ فِي اللِّعَانِ ا هـ. وَنُسِبَ فِي ذَلِكَ لِلسَّهْوِ، فَإِنَّ السَّابِقَ هُنَاكَ تَصْحِيحُ الْمَنْعِ وَهُوَ كَذَلِكَ هُنَا فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ (فَإِنْ أَنْكَرَتْ) الْأَمَةُ (الِاسْتِبْرَاءَ حُلِّفَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِخَطِّهِ أَيْ السَّيِّدُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَيَكْفِي فِيهِ (أَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْهُ) وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلِاسْتِبْرَاءِ كَمَا فِي نَفْيِ وَلَدِ الْحُرَّةِ، وَهَلْ يَقُولُ فِي حَلِفِهِ: اسْتَبْرَأْتُهَا قَبْلَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وِلَادَتِهَا هَذَا الْوَلَدَ، أَوْ يَقُولُ: وَلَدَتْهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ اسْتِبْرَائِي؟ فِيهِ وَجْهَانِ: وَيَظْهَرُ أَنَّهُ يَكْفِي كُلٌّ مِنْهُمَا (وَقِيلَ: يَجِبُ) مَعَ حَلِفِهِ الْمَذْكُورِ (تَعَرُّضُهُ لِلِاسْتِبْرَاءِ) أَيْضًا لِيُثْبِتَ بِذَلِكَ دَعْوَاهُ
المتن: وَلَوْ ادَّعَتْ اسْتِيلَادًا فَأَنْكَرَ أَصْلَ الْوَطْءِ، وَهُنَاكَ وَلَدٌ لَمْ يُحَلَّفْ عَلَى الصَّحِيحِ
الشَّرْحُ:
فَرْعٌ: لَوْ وَطِئَ أَمَتَهُ وَاسْتَبْرَأَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا ثُمَّ أَتَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْعِتْقِ لَمْ يَلْحَقْهُ (وَلَوْ ادَّعَتْ) الْأَمَةُ (اسْتِيلَادًا فَأَنْكَرَ) السَّيِّدُ (أَصْلَ الْوَطْءِ وَهُنَاكَ وَلَدٌ لَمْ يُحَلَّفْ) سَيِّدُهَا (عَلَى الصَّحِيحِ) لِمُوَافَقَتِهِ لِلْأَصْلِ مِنْ عَدَمِ الْوَطْءِ وَكَانَ الْوَلَدُ مَنْفِيًّا عَنْهُ، وَإِنَّمَا حُلِّفَ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ؛ لِأَنَّهُ سَبَقَ مِنْهُ الْإِقْرَارُ بِمَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ النَّسَبِ فَلَا مَعْنَى لِلتَّحْلِيفِ وَالثَّانِي: يُحَلَّفُ أَنَّهُ مَا وَطِئَهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ اعْتَرَفَ ثَبَتَ النَّسَبُ، فَإِذَا أَنْكَرَ حُلِّفَ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: هُنَاكَ وَلَدٌ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فَإِنَّهُ لَا يُحَلَّفُ جَزْمًا كَمَا قَالَاهُ تَبَعًا لِلْإِمَامِ تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ صِحَّةَ دَعْوَى الْأَمَةِ الِاسْتِيلَادَ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي، الْأَصَحِّ
المتن: وَلَوْ قَالَ: وَطِئْتهَا وَعَزَلْت لَحِقَهُ فِي الْأَصَحِّ
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَالَ) سَيِّدُ الْأَمَةِ (وَطِئْتُهَا وَعَزَلْتُ) وَقْتَ الْإِنْزَالِ مَائِي عَنْهَا (لَحِقَهُ) الْوَلَدُ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْمَاءَ سَبَّاقٌ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الِاخْتِيَارِ فَيَسْبِقُهُ إلَى الرَّحِمِ وَهُوَ لَا يُحِسُّ بِهِ، وَلِأَنَّ أَحْكَامَ الْوَطْءِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْإِنْزَالُ وَالثَّانِي: لَا يَلْحَقُهُ كَدَعْوَى الِاسْتِبْرَاءِ خَاتِمَةٌ: لَوْ كَانَ السَّيِّدُ مَجْبُوبَ الذَّكَرِ بَاقِي الْأُنْثَيَيْنِ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ لَمْ يَلْحَقْهُ لِانْتِفَاءِ فِرَاشِ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِمَا مَرَّ وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا وَقَوْلُ الْبُلْقِينِيُّ: الْأَقْرَبُ عِنْدِي أَنَّهُ يَلْحَقُهُ إلَّا أَنْ يَنْفِيَهُ بِالْيَمِينِ مَمْنُوعٌ، أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا اسْتَدْخَلَتْ مَاءَهُ، وَلَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ وَأَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْ النِّكَاحِ وَالْمِلْكِ بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ الْوَطْءِ بَعْدَ الشِّرَاءِ، وَأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ النِّكَاحِ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لِانْتِفَاءِ لُحُوقِهِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ إلَّا إنْ أَقَرَّ بِوَطْءٍ بَعْدَ الْمِلْكِ بِغَيْرِ دَعْوَى اسْتِبْرَاءٍ يُمْكِنُ حُدُوثُ الْوَلَدِ بَعْدَهُ بِأَنْ لَمْ يَدَّعِهِ، أَوْ ادَّعَاهُ وَوَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ فَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْحُكْمِ بِلُحُوقِهِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ احْتِمَالُ كَوْنِهِ مِنْ النِّكَاحِ، إذْ الظَّاهِرُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ، وَلَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ فَطَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَأَقَرَّ السَّيِّدُ بِوَطْئِهَا فَوَلَدَتْ وَلَدًا لِزَمَنٍ يُحْتَمَلُ كَوْنُهُ مِنْهُمَا لَحِقَ السَّيِّدَ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ، وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِلْحُكْمِ بِلُحُوقِ الْوَلَدِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ.
المتن: بِلَبَنِ امْرَأَةٍ حَيَّةٍ بَلَغَتْ تِسْعَ سِنِينَ، وَلَوْ حَلَبَتْ فَأُوجِرَ بَعْدَ مَوْتِهَا حَرَّمَ فِي الْأَصَحِّ
الشَّرْحُ: كِتَابُ الرَّضَاعِ هُوَ - بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَيَجُوزُ كَسْرُهَا، وَإِثْبَاتُ التَّاءِ مَعَهُمَا - لُغَةً: اسْمٌ لِمَصِّ الثَّدْيِ وَشُرْبِ لَبَنِهِ وَشَرْعًا: اسْمٌ لِحُصُولِ لَبَنِ امْرَأَةٍ أَوْ مَا حَصَلَ مِنْهُ فِي مَعِدَةِ طِفْلٍ أَوْ دِمَاغِهِ وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ الْآيَةُ وَالْخَبَرُ الْآيَتَانِ، وَإِنَّمَا جُعِلَ الرَّضَاعُ سَبَبًا لِلتَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ جُزْءَ الْمُرْضِعَةِ وَهُوَ اللَّبَنُ صَارَ جُزْءًا لِلرَّضِيعِ بِاغْتِذَائِهِ بِهِ فَأَشْبَهَ مَنِيَّهَا فِي النَّسَبِ، وَتَقَدَّمَتْ الْحُرْمَةُ بِهِ فِي بَابِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النِّكَاحِ، وَالْكَلَامُ الْآنَ فِي بَيَانِ مَا يَحْصُلُ بِهِ وَحُكْمِ عُرُوضِهِ بَعْدَ النِّكَاحِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا سَيَأْتِي وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ: مُرْضِعٌ، وَلَبَنٌ وَرَضِيعٌ وَبَدَأَ بِالرُّكْنِ الْأَوَّلِ فَقَالَ (إنَّمَا يَثْبُتُ) بِالنِّسْبَةِ لِأَحْكَامِهِ الْآتِيَةِ مِنْ تَحْرِيمِ النِّكَاحِ وَثُبُوتِ الْمَحْرَمِيَّةِ الْمُفِيدَةِ جَوَازَ النَّظَرِ، وَالْخَلْوَةِ، وَعَدَمِ نَقْضِ الْوُضُوءِ بِالْمَسِّ لَا بِالنِّسْبَةِ لِإِرْثٍ، وَنَفَقَةٍ، وَعِتْقٍ بِمِلْكٍ، وَسُقُوطِ قَوَدٍ وَرَدِّ شَهَادَةٍ وَغَيْرِهَا مِنْ أَحْكَامِ النَّسَبِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ (بِلَبَنِ امْرَأَةٍ) آدَمِيَّةٍ خَلِيَّةٍ أَوْ مُزَوَّجَةٍ (حَيَّةٍ) حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً حَالَ انْفِصَالِهِ مِنْهَا (بَلَغَتْ تِسْعَ سِنِينَ) قَمَرِيَّةً تَقْرِيبًا وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِبُلُوغِهَا بِذَلِكَ، فَخَرَجَ بِاللَّبَنِ غَيْرُهُ كَأَنْ امْتَصَّ مِنْ الثَّدْيِ دَمًا أَوْ قَيْحًا، وَبِامْرَأَةٍ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ: أَحَدُهَا الرَّجُلُ فَلَا يَثْبُتُ بِلَبَنِهِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُعَدًّا لِلتَّغْذِيَةِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ التَّحْرِيمُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ، لَكِنْ يُكْرَهُ وَلِفَرْعِهِ نِكَاحُ مَنْ ارْتَضَعَتْ مِنْهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيِّ ثَانِيهَا: الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ، وَالْمَذْهَبُ تَوَقُّفُهُ إلَى الْبَيَانِ، فَإِنْ بَانَتْ أُنُوثَتُهُ حُرِّمَ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ لَمْ يَثْبُتْ التَّحْرِيمُ فَلِلرَّضِيعِ نِكَاحُ أُمِّ الْخُنْثَى وَنَحْوِهَا كَمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّاهُ ثَالِثُهَا: الْبَهِيمَةُ، فَلَوْ ارْتَضَعَ صَغِيرَانِ مِنْ شَاةٍ مَثَلًا لَمْ يَثْبُتْ بَيْنَهُمَا أُخُوَّةٌ فَتَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمَا؛ لِأَنَّ الْأُخُوَّةَ فَرْعُ الْأُمُومَةِ، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْأَصْلُ لَمْ يَثْبُتْ الْفَرْعُ، وَبِآدَمِيَّةٍ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهَا بَدَلَ الْمَرْأَةِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الشَّافِعِيُّ لَكَانَ أَوْلَى، وَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْته فِي كَلَامِهِ الْجِنِّيَّةَ إنْ تُصُوِّرَ رَضَاعُهَا بِنَاءً عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ تَنَاكُحِهِمْ، وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الرَّضَاعَ تِلْوُ النَّسَبِ بِدَلِيلِ {يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ} وَاَللَّهُ قَطَعَ النَّسَبَ بَيْنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَبِالْحَيَّةِ لَبَنُ الْمَيِّتَةِ فَإِنَّهُ لَا يُحَرِّمُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ لَبَنِ جُثَّةٍ مُنْفَكَّةٍ عَنْ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ كَالْبَهِيمَةِ، وَقِيلَ: يُحَرِّمُ، وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي يَقَعُ بِهِ التَّحْرِيمُ هُوَ اللَّبَنُ، وَلَا يُقَالُ: مَاتَ اللَّبَنُ بِمَوْتِهَا؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ لَا يَمُوتُ، غَيْرَ أَنَّهُ فِي ظَرْفٍ مَيِّتٍ، فَهُوَ كَلَبَنِ آدَمِيَّةٍ حَيَّةٍ جُعِلَ فِي سِقَاءٍ طَاهِرٍ أَوْ نَجِسٍ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ، وَبِحَيَاةٍ مُسْتَقِرَّةٍ مَنْ انْتَهَتْ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ؛ لِأَنَّهَا كَالْمَيِّتَةِ، وَبَلَغَتْ إلَى آخِرِهِ مَا إذَا لَمْ تَبْلُغْ ذَلِكَ، فَإِنَّ لَبَنَهَا لَا يُحَرِّمُ، لِأَنَّهُ فَرْعُ الْحَمْلِ، وَالْحَمْلُ لَا يَتَأَتَّى فِيمَا دُونَ ذَلِكَ فَكَذَا فَرْعُهُ بِخِلَافِ مَنْ بَلَغَتْ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِبُلُوغِهَا كَمَا مَرَّ، فَاحْتِمَالُ الْبُلُوغِ قَائِمٌ، وَالرَّضَاعُ تِلْوُ النَّسَبِ كَمَا مَرَّ فَاكْتُفِيَ فِيهِ بِالِاحْتِمَالِ تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ اقْتِصَارُهُ عَلَى مَا ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الثُّيُوبَةُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ، لِأَنَّ لَبَنَ الْبِكْرِ نَادِرٌ فَأَشْبَهَ لَبَنَ الرَّجُلِ (وَلَوْ حَلَبَتْ) لَبَنَهَا قَبْلَ مَوْتِهَا وَفِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ (فَأُوجِرَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ طِفْلٌ (بَعْدَ مَوْتِهَا حَرَّمَ فِي الْأَصَحِّ) لِانْفِصَالِهِ مِنْهَا وَهُوَ حَلَالٌ مُحْتَرَمٌ، كَذَا عَلَّلُوا بِهِ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَيْسَ بِحَلَالٍ، وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ وَإِلَّا فَهُوَ حَلَالٌ بَعْدَ مَوْتِهَا أَيْضًا كَمَا مَرَّ فِي بَابِ النَّجَاسَةِ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ تُرْضِعَهُ أَرْبَعَ رَضَعَاتٍ فِي الْحَيَاةِ ثُمَّ تَحْلُبَ شَيْئًا فَيُوجَرَ بَعْدَ مَوْتِهَا، أَوْ تَحْلُبَ فِي خَمْسِ آنِيَةٍ ثُمَّ يُوجَرَ بَعْدَ مَوْتِهَا فِي خَمْسِ دَفَعَاتٍ فَإِنَّهُ يُحَرِّمُ كَمَا سَيَأْتِي وَالثَّانِي: لَا يُحَرِّمُ لِبُعْدِ إثْبَاتِ الْأُمُومَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: حَرَّمَ بِحَاءٍ وَرَاءٍ مُشَدَّدَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ هُنَا وَفِيمَا بَعْدُ، وَقَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ مُخَالِفٌ لِتَعْبِيرِ الرَّوْضَةِ بِالصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ
المتن: وَلَوْ جُبِّنَ أَوْ نُزِعَ مِنْهُ زُبْدٌ حَرَّمَ، وَلَوْ خُلِطَ بِمَائِعٍ حَرَّمَ إنْ غَلَبَ
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي وَهُوَ اللَّبَنُ، وَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاءُ اسْمِهِ لَبَنًا فَقَالَ (وَلَوْ جُبِّنَ) أَوْ جُعِلَ مِنْهُ أَقِطٌ (أَوْ نُزِعَ مِنْهُ زُبْدٌ) أَوْ عُجِنَ بِهِ دَقِيقٌ وَأُطْعِمَ الطِّفْلُ مِنْ ذَلِكَ (حَرَّمَ) لِحُصُولِ التَّغَذِّي بِهِ تَنْبِيهٌ: عِبَارَتُهُ صَادِقَةٌ بِإِطْعَامِ الزُّبْدِ نَفْسِهِ وَبِاللَّبَنِ الَّذِي نُزِعَ زُبْدُهُ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُحَرِّمٌ (وَلَوْ خُلِطَ) اللَّبَنُ (بِمَائِعٍ) طَاهِرٍ كَمَاءٍ أَوْ نَجِسِ خَمْرٍ (حَرَّمَ إنْ غَلَبَ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ عَلَى الْمَائِعِ بِظُهُورِ أَحَدِ صِفَاتِهِ مِنْ طَعْمٍ أَوْ لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ، إذْ الْمَغْلُوبُ كَالْمَعْدُومِ، وَسَوَاءٌ أَشَرِبَ الْكُلَّ أَمْ الْبَعْضَ
المتن: فَإِنْ غُلِبَ وَشَرِبَ الْكُلَّ قِيلَ أَوْ الْبَعْضَ حَرَّمَ فِي الْأَظْهَرِ، وَيُحَرِّمُ إيجَارٌ
الشَّرْحُ: (فَإِنْ غُلِبَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِأَنْ زَالَتْ أَوْصَافُهُ الثَّلَاثَةُ حِسًّا وَتَقْدِيرًا (وَشَرِبَ) الرَّضِيعُ (الْكُلَّ) حَرَّمَ (قِيلَ: أَوْ) شَرِبَ (الْبَعْضَ حَرَّمَ) أَيْضًا (فِي الْأَظْهَرِ) لِوُصُولِ اللَّبَنِ إلَى الْجَوْفِ، وَلَيْسَ كَالنَّجَاسَةِ الْمُسْتَهْلَكَةِ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ حَيْثُ لَا يُؤَثِّرُ، فَإِنَّهَا تُجْتَنَبُ لِلِاسْتِقْذَارِ وَهُوَ مُنْدَرِجٌ بِالْكَثْرَةِ، وَلَا كَالْخَمْرِ الْمُسْتَهْلَكَةِ فِي غَيْرِهَا حَيْثُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حَدٌّ، فَإِنَّ الْحَدَّ مَنُوطٌ بِالشِّدَّةِ الْمُزِيلَةِ لِلْعَقْلِ وَالثَّانِي: لَا يُحَرِّمُ لِأَنَّ الْمَغْلُوبَ الْمُسْتَهْلَكُ كَالْمَعْدُومِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ شُرْبَ الْبَعْضِ لَا يُحَرِّمُ لِانْتِفَاءِ تَحَقُّقِ وُصُولِ اللَّبَنِ مِنْهُ إلَى الْجَوْفِ، فَإِنْ تَحَقَّقَ كَأَنْ بَقِيَ مِنْ الْمَخْلُوطِ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ اللَّبَنِ حَرَّمَ جَزْمًا تَنْبِيهٌ: يُشْتَرَطُ كَوْنُ اللَّبَنِ قَدْرًا يُمْكِنُ أَنْ يُسْقَى مِنْهُ خَمْسٌ دَفْعًا لَوْ انْفَرَدَ كَمَا حَكَيَاهُ عَنْ السَّرَخْسِيِّ وَأَقَرَّاهُ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا شَرِبَ مِنْ الْمُخْتَلِطِ خَمْسَ دَفَعَاتٍ أَوْ كَانَ حُلِبَ فِي خَمْسِ آنِيَةٍ كَمَا مَرَّ أَوْ شَرِبَ مِنْهُ دَفْعَةً بَعْدَ أَنْ سُقِيَ اللَّبَنَ الصِّرْفَ أَرْبَعًا، فَإِنْ زَالَتْ الْأَوْصَافُ الثَّلَاثَةُ اُعْتُبِرَ قَدْرُ اللَّبَنِ بِمَاءٍ لَهُ لَوْنٌ قَوِيٌّ يَسْتَوْلِي عَلَى الْخَلِيطِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْهُ يَظْهَرُ فِي الْخَلِيطِ ثَبَتَ التَّحْرِيمُ وَإِلَّا فَلَا، وَقَدْ يُفْهِمُ تَقْيِيدُهُ بِالْمَائِعِ أَنَّ خَلْطَهُ بِالْجَامِدِ لَا يُحَرِّمُ، وَلَيْسَ مُرَادًا، فَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ عُجِنَ بِهِ دَقِيقٌ يُحَرِّمُ، وَسَكَتَ عَنْ اسْتِوَاءِ الْأَمْرَيْنِ، وَحُكْمُهُ يُؤْخَذُ مِنْ الثَّانِيَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَلَبَنُ الْمَرْأَتَيْنِ الْمُخْتَلِطُ يُثْبِتُ أُمُومَتَهُمَا، وَفِي الْمَغْلُوبِ مِنْ اللَّبَنَيْنِ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ فَيُثْبِتُ الْأُمُومَةَ الْغَالِبَةَ اللَّبَنُ، وَكَذَا لِمَغْلُوبَتِهِ بِشَرْطِهِ السَّابِقِ، وَلَا يَضُرُّ فِي التَّحْرِيمِ غَلَبَةُ الرِّيقِ لِقَطْرَةِ اللَّبَنِ الْمَوْضُوعَةِ فِي الْفَمِ إلْحَاقًا لَهُ بِالرُّطُوبَاتِ فِي الْمَعِدَةِ (وَيُحَرِّمُ) بِرَاءٍ مُشَدَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ (إيجَارٌ) وَهُوَ صَبُّ اللَّبَنِ فِي الْحَلْقِ لِحُصُولِ التَّغْذِيَةِ بِهِ كَالِارْتِضَاعِ
المتن: وَكَذَا إسْعَاطٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، لَا حُقْنَةٌ فِي الْأَظْهَرِ
الشَّرْحُ:
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ التَّحْرِيمُ بِمُجَاوَزَةِ اللَّبَنِ الْحَلْقَ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ الْمَعِدَةَ كَمَا يُفْطِرُ بِمِثْلِهِ الصَّائِمُ، وَلَيْسَ مُرَادًا فَقَدْ اعْتَبَرَ فِي الْمُحَرَّرِ الْوُصُولَ إلَى الْمَعِدَةِ، وَجَرَيَا عَلَيْهِ فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ، فَلَوْ تقايأه قَبْلَ وُصُولِهِ إلَيْهَا لَمْ يُحَرِّمْ (وَكَذَا إسْعَاطٌ) وَهُوَ صَبُّ اللَّبَنِ فِي الْأَنْفِ لِيَصِلَ الدِّمَاغَ يُحَرِّمُ أَيْضًا (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِحُصُولِ التَّغَذِّي بِذَلِكَ، لِأَنَّ الدِّمَاغَ جَوْفٌ لَهُ كَالْمَعِدَةِ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فِيهِ قَوْلَانِ كَالْحُقْنَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ (لَا حُقْنَةٌ) وَهِيَ مَا يَدْخُلُ فِي الدُّبُرِ أَوْ الْقُبُلِ مِنْ دَوَاءٍ فَلَا يُحَرِّمُ (فِي الْأَظْهَرِ) لِانْتِفَاءِ التَّغَذِّي؛ لِأَنَّهَا لِإِسْهَالِ مَا انْعَقَدَ فِي الْمَعِدَةِ، وَالثَّانِي: تُحَرِّمُ كَمَا يَحْصُلُ بِهَا الْفِطْرُ، وَدُفِعَ بِأَنَّ الْفِطْرَ يَتَعَلَّقُ بِالْوُصُولِ إلَى جَوْفٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعِدَةً وَلَا دِمَاغًا بِخِلَافِهِ هُنَا، وَلِهَذَا لَمْ يُحَرِّمْ التَّقْطِيرُ فِي الْأُذُنِ أَوْ الْجِرَاحَةُ إذَا لَمْ يَصِلْ إلَى الْمَعِدَةِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَنْفَذٍ مَفْتُوحٍ فَلَا يُحَرِّمُ وُصُولُهُ إلَى جَوْفٍ أَوْ مَعِدَةٍ بِصَبِّهِ فِي الْعَيْنِ بِوَاسِطَةِ الْمَسَامِّ
المتن: وَشَرْطُهُ: رَضِيعٌ حَيٌّ لَمْ يَبْلُغْ سَنَتَيْنِ
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّالِثِ، وَهُوَ الرَّضِيعُ، فَقَالَ (وَشَرْطُهُ) أَيْ رُكْنُهُ (رَضِيعٌ) وَلَهُ شُرُوطٌ شَرَعَ فِي ذِكْرِهَا بِقَوْلِهِ (حَيٌّ) حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً فَلَا أَثَرَ لِوُصُولِ اللَّبَنِ إلَى جَوْفِ الْمَيِّتِ بِالِاتِّفَاقِ لِخُرُوجِهِ عَنْ التَّغْذِيَةِ وَنَبَاتِ اللَّحْمِ، وَكَذَا إذَا انْتَهَى إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ، فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَيِّتِ تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَشَرْطُهُ حَيَاةُ رَضِيعٍ لَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْته (لَمْ يَبْلُغْ سَنَتَيْنِ) بِالْأَهِلَّةِ، فَإِنْ انْكَسَرَ الشَّهْرُ الْأَوَّلُ ثُمَّ عَدَّدَهُ ثَلَاثِينَ مِنْ الشَّهْرِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ، فَإِنْ بَلَغَهُمَا لَمْ يُحَرِّمْ ارْتِضَاعُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} جَعَلَ تَمَامَ الرَّضَاعَةِ فِي الْحَوْلَيْنِ فَأَفْهَمَ بِأَنَّ الْحُكْمَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ بِخِلَافِهِ، وَلِخَبَرِ {لَا رَضَاعَ إلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ} رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ. وَمَا فِي مُسْلِمٍ {أَنَّ امْرَأَةَ أَبِي حُذَيْفَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّ سَالِمًا يَدْخُلُ عَلَيَّ وَهُوَ رَجُلٌ وَفِي نَفْسِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْهُ شَيْءٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرْضِعِيهِ أَيْ خَمْسَ رَضَعَاتٍ حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيْكِ} فَهُوَ رُخْصَةٌ خَاصَّةٌ بِسَالِمٍ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَيْسَ يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا أَوْ خَاصًّا بِسَالِمٍ كَمَا قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَسَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ بِالْخَاصِّ وَالْعَامِّ، وَالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ أَعْلَمُ
المتن: تَنْبِيهٌ: ابْتِدَاءُ الْحَوْلَيْنِ مِنْ تَمَامِ انْفِصَالِ الرَّضِيعِ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ، فَإِنْ ارْتَضَعَ قَبْلَ تَمَامِهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ، وَضَبْطُهُنَّ بِالْعُرْفِ
الشَّرْحُ: تَنْبِيهٌ: ابْتِدَاءُ الْحَوْلَيْنِ مِنْ تَمَامِ انْفِصَالِ الرَّضِيعِ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ، فَإِنْ ارْتَضَعَ قَبْلَ تَمَامِهِ لَمْ يُؤَثِّرْ، وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ: وَالْأَشْبَهُ تَرْجِيعُ التَّأْثِيرِ لِوُجُودِ الرَّضَاعِ حَقِيقَةً، وَهُوَ قِيَاسُ مَا صَحَّحَهُ فِيمَنْ انْفَصَلَ بَعْضُهُ فَحَزَّ جَانٍ رَقَبَتَهُ وَهُوَ حَيٌّ مِنْ أَنَّهُ يُضْمَنُ بِالْقَوَدِ أَوْ الدِّيَةِ، وَعَلَيْهِ تُحْسَبُ الْمُدَّةُ مِنْ حِينِ ارْتَضَعَ مَمْنُوعٌ لِمَا فِيهِ مِنْ ارْتِكَابِ إحْدَاثِ قَوْلٍ ثَالِثٍ، إذْ الْمَحْكِيُّ فِي ابْتِدَاءِ الْمُدَّةِ وَجْهَانِ: ابْتِدَاءُ الْخُرُوجِ وَانْتِهَاؤُهُ، وَبِذَلِكَ فَارَقَ مَسْأَلَةَ الْحَزِّ مَعَ أَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْ نَظَائِرِهَا عَلَى اضْطِرَابٍ فِيهَا اسْتِصْحَابًا لِلضَّمَانِ فِي الْجُمْلَةِ، إذْ الْجَنِينُ يُضْمَنُ بِالْغُرَّةِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ تَمَّ الْحَوْلَانِ فِي الرَّضْعَةِ الْأَخِيرَةِ لَا تَحْرِيمَ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصُّ الْأُمِّ وَغَيْرِهِ، وَلَكِنَّ الْمَذْهَبَ كَمَا فِي التَّهْذِيبِ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي أَنَّهُ يُحَرِّمُ لِأَنَّ مَا يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ فِي كُلِّ رَضْعَةٍ غَيْرُ مُقَدَّرٍ كَمَا قَالُوا لَوْ لَمْ يَحْصُلْ فِي جَوْفِهِ إلَّا خَمْسُ قَطَرَاتٍ فِي كُلِّ رَضْعَةٍ قَطْرَةٌ حَرَّمَ (وَخَمْسُ رَضَعَاتٍ) لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ {عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا كَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ فَنُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ} أَيْ يُتْلَى حُكْمُهُنَّ أَوْ يَقْرَؤُهُنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ لِقُرْبِهِ وَقِيلَ: يَكْفِي رَضْعَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ السُّنَّةَ تُثْبِتُ كَآيَةِ السَّرِقَةِ، وَلَمْ يَأْخُذْ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي هَذَا بِقَاعِدَتِهِ وَهِيَ الْأَخْذُ بِأَقَلِّ مَا قِيلَ؛ لِأَنَّ شَرْطَ ذَلِكَ عِنْدَهُ أَنْ لَا يَجِدَ دَلِيلًا سِوَاهُ، وَالسُّنَّةُ نَاصَّةٌ عَلَى الْخَمْسِ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَمَّا أَخْبَرَتْ أَنَّ التَّحْرِيمَ بِالْعَشَرَةِ مَنْسُوخٌ بِالْخَمْسِ دَلَّ عَلَى ثُبُوتِ التَّحْرِيمِ بِالْخَمْسِ لَا بِمَا دُونَهَا، وَلَوْ وَقَعَ التَّحْرِيمُ بِأَقَلَّ مِنْهَا بَطَلَ أَنْ يَكُونَ الْخَمْسُ نَاسِخًا وَصَارَ مَنْسُوخًا كَالْعَشْرِ، فَإِنْ قِيلَ: الْقُرْآنُ لَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يُثْبِتْهُ قُرْآنًا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَكِنْ ثَبَتَ حُكْمُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ، فَالْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ تُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْخَبَرِ، وَقِيلَ: يَكْفِي ثَلَاثُ رَضَعَاتٍ لِمَفْهُومِ خَبَرِ مُسْلِمٍ {لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَلَا الرَّضْعَتَانِ} وَإِنَّمَا قُدِّمَ مَفْهُومُ الْخَبَرِ الْأَوَّلِ عَلَى هَذَا لِاعْتِضَادِهِ بِالْأَصْلِ، وَهُوَ عَدَمُ التَّحْرِيمِ، وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّفَاقُ صِفَاتِ الرَّضَعَاتِ بَلْ لَوْ أُوجِرَ مَرَّةً وَسُعِطَ وَارْتَضَعَ مَرَّةً وَأَكَلَ مِمَّا صُنِعَ مِنْهُ مَرَّتَيْنِ ثَبَتَ التَّحْرِيمُ قِيلَ: الْحِكْمَةُ فِي كَوْنِ التَّحْرِيمِ بِخَمْسٍ أَنَّ الْحَوَاسَّ الَّتِي هِيَ سَبَبُ الْإِدْرَاكِ خَمْسٌ تَنْبِيهٌ: ضَادُ رَضَعَاتٍ مَفْتُوحَةٌ لِمَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ النَّحْوِ أَنَّ فَعْلَةً عَلَمًا كَانَتْ أَوْ مَصْدَرًا تُفْتَحُ عَيْنُهَا فِي الْجَمْعِ، نَحْوُ ظَبَيَاتٍ وَحَسَرَاتٍ، وَإِنْ كَانَتْ صِفَةً سُكِّنَتْ عَيْنُهَا كَعَصْبَاتٍ (وَ) الْخَمْسُ رَضَعَاتٍ (ضَبْطُهُنَّ بِالْعُرْفِ) إذْ لَا ضَابِطَ لَهَا فِي اللُّغَةِ وَلَا فِي الشَّرْعِ فَرُجِعَ فِيهِ إلَى الْعُرْفِ كَالْحِرْزِ فِي السَّرِقَةِ، فَمَا قُضِيَ بِكَوْنِهِ رَضْعَةً أَوْ رَضَعَاتٍ اُعْتُبِرَ وَإِلَّا فَلَا
المتن: فَلَوْ قَطَعَ إعْرَاضًا تَعَدَّدَ، أَوْ لِلَّهْوِ وَعَادَ فِي الْحَالِ أَوْ تَحَوَّلَ مِنْ ثَدْيٍ إلَى ثَدْيٍ فَلَا.
الشَّرْحُ: (فَلَوْ قَطَعَ) الرَّضِيعُ الِارْتِضَاعَ بَيْنَ كُلٍّ مِنْ الْخَمْسِ (إعْرَاضًا) عَنْ الثَّدْيِ (تَعَدَّدَ) عَمَلًا بِالْعُرْفِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِي الصَّدْرِ حَكَّةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: لَوْ طَارَتْ قَطْرَةٌ إلَى فِيهِ وَاخْتَلَطَتْ بِرِيقِهِ وَعَبَرَتْهُ عُدَّ رَضْعَةً، وَمِثْلُهُ إسْعَاطُ قَطْرَةٍ، وَقَدْ ضَبَطُوا ذَلِكَ بِالْعُرْفِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَا يَعُدُّونَ هَذَا رَضْعَةً، وَكَيْفَ هَذَا مَعَ وُرُودِ الْخَبَرِ {أَنَّ الرَّضَاعَ مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَأَنْشَرَ الْعَظْمَ} ا هـ. وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِهِمْ فِي بُدُوِّ الصَّلَاحِ: يُكْتَفَى فِيهِ بِثَمَرَةٍ وَاحِدَةٍ، وَفِي اشْتِدَادِ الْحَبِّ بِسُنْبُلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَحَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهَا ضَابِطٌ بِقِلَّةٍ وَلَا بِكَثْرَةٍ اعْتَبَرْنَا أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، وَمَا أَجَابَ بِهِ الْغَزِّيُّ مِنْ أَنَّ أَقَلَّ الرَّضْعَةِ لَا حَدَّ لَهُ، وَالضَّبْطُ إنَّمَا هُوَ لِكَثْرَتِهَا مَمْنُوعٌ تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَوْ قَطَعَتْ عَلَيْهِ الْمُرْضِعَةُ لِشُغْلٍ وَأَطَالَتْهُ ثُمَّ عَادَ لَمْ يُعْتَدَّ بِذَلِكَ رَضْعَةً، وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ إلَّا مَرَّةً فَقَطَعَ عَلَيْهِ إنْسَانٌ الْأَكْلَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ ثُمَّ عَادَ وَأَكَلَ بَعْدَ تَمَكُّنِهِ لَمْ يَحْنَثْ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يُعْتَدُّ بِهِ؛ لِأَنَّ الرَّضَاعَ يُعْتَبَرُ فِيهِ فِعْلُ الْمُرْضِعَةِ وَالرَّضِيعِ عَلَى الِانْفِرَادِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ ارْتَضَعَ مِنْ امْرَأَةٍ نَائِمَةٍ أَوْ أَوْجَرَتْهُ لَبَنًا وَهُوَ نَائِمٌ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يُعْتَدَّ بِقَطْعِهَا كَمَا يُعْتَدُّ بِقَطْعِهِ (أَوْ) قَطَعَهُ (لِلَّهْوِ) أَوْ نَحْوِهِ كَنَوْمَةٍ خَفِيفَةٍ أَوْ تَنَفُّسٍ أَوْ ازْدِرَادِ مَا جَمَعَهُ مِنْ اللَّبَنِ فِي فَمِهِ (وَعَادَ فِي الْحَالِ) فَلَا تَعَدُّدَ بَلْ الْكُلُّ رَضْعَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِنْ طَالَ لَهْوُهُ أَوْ نَوْمُهُ، فَإِنْ كَانَ الثَّدْيُ، فِي فَمِهِ فَرَضْعَةٌ، وَإِلَّا فَرَضْعَتَانِ، فَتَقْيِيدُ الرَّوْضَةِ مَسْأَلَةَ اللَّهْوِ بِبَقَاءِ الثَّدْيِ فِي فَمِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُطِلْ، فَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الثَّدْيُ فِي فَمِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَيُفْهِمُهُ إطْلَاقُ الْمَتْنِ (أَوْ تَحَوَّلَ) الرَّضِيعُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِتَحْوِيلِ الْمُرْضِعَةِ فِي الْحَالِ (مِنْ ثَدْيٍ إلَى ثَدْيٍ) آخَرَ أَوْ قَطَعَتْهُ الْمُرْضِعَةُ لِشُغْلٍ خَفِيفٍ ثُمَّ عَادَتْ (فَلَا) تَتَعَدَّدُ حِينَئِذٍ، فَإِنْ لَمْ تَتَحَوَّلْ فِي الْحَالِ تَعَدَّدَ الْإِرْضَاعُ تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ مَا ذُكِرَ فِي الْمُرْضِعَةِ الْوَاحِدَةِ أَمَّا إذَا تَحَوَّلَ مِنْ ثَدْيِ امْرَأَةٍ إلَى ثَدْيِ أُخْرَى فِي الْحَالِ فَإِنَّهُ يَتَعَدَّدُ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الرَّضْعَةَ أَنْ يَتْرُكَ الثَّدْيَ وَلَا يَعُودَ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ وَقَدْ وُجِدَ فَائِدَةٌ: الثَّدْيُ بِفَتْحِ الثَّاءِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَالتَّذْكِيرُ أَشْهَرُ، وَيَكُونُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَلَكِنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي الْمَرْأَةِ أَكْثَرُ حَتَّى إنَّ بَعْضَهُمْ خَصَّهُ بِهَا
المتن: وَلَوْ حَلَبَ مِنْهَا دَفْعَةً وَأَوْجَرَهُ خَمْسًا أَوْ عَكْسُهُ فَرَضْعَةٌ، وَفِي قَوْلٍ خَمْسٌ
الشَّرْحُ: (وَلَوْ حُلِبَ مِنْهَا) لَبَنٌ (دَفْعَةً وَأُوجِرَهُ) أَيْ وَصَلَ إلَى جَوْفِ الرَّضِيعِ أَوْ دِمَاغِهِ بِإِيجَارٍ أَوْ إسْعَاطٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (خَمْسًا) أَيْ خَمْسَ مَرَّاتٍ (أَوْ عَكْسُهُ) بِأَنْ حُلِبَ مِنْهَا خَمْسًا وَأُوجِرَ الرَّضِيعُ دَفْعَةً (فَرَضْعَةٌ) وَاحِدَةٌ فِي الصُّورَتَيْنِ اعْتِبَارًا فِي الْأُولَى بِحَالَةِ الِانْفِصَالِ مِنْ الثَّدْيِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِحَالَةِ وُصُولِهِ إلَى جَوْفِهِ دَفْعَةً وَاحِدَةً (وَفِي قَوْلٍ خَمْسٌ) فِيهِمَا تَنْزِيلًا فِي الْأُولَى لِلْإِنَاءِ مَنْزِلَةَ الثَّدْيِ، وَنَظَرًا فِي الثَّانِي إلَى حَالَةِ الِانْفِصَالِ مِنْ الثَّدْيِ أَمَّا لَوْ حُلِبَ مِنْهَا خَمْسَ دَفَعَاتٍ وَأُوجِرَهُ فِي خَمْسِ دَفَعَاتٍ مِنْ غَيْرِ خَلْطٍ فَهُوَ خَمْسٌ قَطْعًا، وَإِنْ خُلِطَ ثُمَّ فُرِّقَ وَأُوجِرَهُ خَمْسَ دَفَعَاتٍ فَخَمْسٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ بِالْخَلْطِ صَارَ كَالْمَحْلُوبِ دَفْعَةً
المتن: وَلَوْ شُكَّ هَلْ خَمْسًا أَمْ أَقَلَّ، أَوْ هَلْ رَضَعَ فِي حَوْلَيْنِ أَمْ بَعْدُ؟ فَلَا تَحْرِيمَ، وَفِي الثَّانِيَة قَوْلٌ، أَوْ وَجْهٌ، وَتَصِير الْمُرْضِعَةُ أُمَّهُ، وَاَلَّذِي مِنْهُ اللَّبَنُ أَبَاهُ، وَتَسْرِي الْحُرْمَةُ إلَى أَوْلَادِهِ، وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ خَمْسٌ مُسْتَوْلِدَاتٍ أَوْ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَأُمُّ وَلَدٍ فَرَضَعَ طِفْلٌ مِنْ كُلٍّ رَضْعَةً صَارَ ابْنَهُ فِي الْأَصَحِّ فَيَحْرُمْنَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُنَّ مَوْطُوآتُ أَبِيهِ، وَلَوْ كَانَ بَدَلَ الْمُسْتَوْلَدَاتِ بَنَاتٌ أَوْ أَخَوَاتٌ فَلَا حُرْمَةَ فِي الْأَصَحِّ
الشَّرْحُ:
تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ: مِنْهَا فَرَضَ الْخِلَافَ فِي الْوَاحِدَةِ، فَلَوْ حُلِبَ خَمْسُ نِسْوَةٍ فِي إنَاءٍ وَأُوجِرَهُ الطِّفْلُ دَفْعَةً وَاحِدَةً حُسِبَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ رَضْعَةٌ، وَإِنْ أُوجِرَهُ فِي خَمْسِ دَفَعَاتٍ فَكَذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ: خَمْسٌ (وَ) لَا بُدَّ مِنْ تَيَقُّنِ الْخَمْسِ رَضَعَاتٍ وَتَيَقُّنِ كَوْنِ الرَّضِيعِ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ فَعَلَى هَذَا (لَوْ شُكَّ) فِي رَضِيعٍ (هَلْ رَضَعَ خَمْسًا أَمْ أَقَلَّ، أَوْ هَلْ رَضَعَ فِي حَوْلَيْنِ أَمْ بَعْدُ) أَيْ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ، أَوْ فِي دُخُولِ اللَّبَنِ جَوْفَهُ أَوْ دِمَاغَهُ، أَوْ فِي أَنَّهُ لَبَنُ امْرَأَةٍ أَوْ بَهِيمَةٍ، أَوْ فِي أَنَّهُ حُلِبَ فِي حَيَاتِهَا؟ (فَلَا تَحْرِيمَ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا ذُكِرَ، وَلَا يَخْفَى الْوَرَعُ (وَفِي) الْمَسْأَلَةِ (الثَّانِيَةِ) فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلٌ أَوْ وَجْهٌ) بِالتَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَوْلَيْنِ، وَرَجَّحَ الشَّرْحُ الصَّغِيرُ أَنَّهُ قَوْلٌ تَنْبِيهٌ: كَلَامُهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْأُولَى وَهُوَ كَذَلِكَ (وَ) اعْلَمْ أَنَّ الْحُرْمَةَ تَسْرِي مِنْ الْمُرْضِعَةِ وَالْفَحْلِ إلَى أُصُولِهِمَا وَفُرُوعِهِمَا وَحَوَاشِيهِمَا، وَمِنْ الرَّضِيعِ إلَى فُرُوعِهِ فَقَطْ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ وَوُجِدَتْ الشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ فَنَقُولُ (تَصِيرُ الْمُرْضِعَةُ) بِذَلِكَ (أُمَّهُ) بِنَصِّ الْقُرْآنِ (وَاَلَّذِي مِنْهُ اللَّبَنُ) الْمُحْتَرَمُ وَهُوَ الْفَحْلُ (أَبَاهُ، وَتَسْرِي) أَيْ تَنْتَشِرُ (الْحُرْمَةُ) مِنْ الرَّضِيعِ (إلَى أَوْلَادِهِ) فَقَطْ كَمَا مَرَّ، سَوَاءٌ أَكَانُوا مِنْ النَّسَبِ أَمْ مِنْ الرَّضَاعِ، وَلِذَلِكَ احْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: أَوْلَادِهِ " عَنْ آبَائِهِ وَإِخْوَتِهِ، فَلَا تَسْرِي الْحُرْمَةُ إلَيْهِمْ، فَلِأَبِيهِ وَأَخِيهِ نِكَاحُ الْمُرْضِعَةِ وَبَنَاتِهَا، وَلِزَوْجِ الْمُرْضِعَةِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأُمِّ الطِّفْلِ وَأُخْتِهِ قَالَ الْجُرْجَانِيِّ فِي الْمُعَايَاةِ: وَإِنَّمَا كَانَتْ الْحُرْمَةُ الْمُنْتَشِرَةُ مِنْهَا أَيْ الْمُرْضِعَةِ إلَيْهِ أَيْ الطِّفْلِ أَعَمَّ مِنْ الْحُرْمَةِ الْمُنْتَشِرَةِ مِنْهُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ بِفِعْلِهَا أَيْ غَالِبًا، فَكَانَ التَّأْثِيرُ أَكَثَرَ، وَلَا صُنْعَ لِلطِّفْلِ فِيهِ: أَيْ غَالِبًا، فَكَانَ تَأْثِيرُ التَّحْرِيمِ فِيهِ أَخَصَّ ا هـ. وَلَمَّا كَانَ اللَّبَنُ لِلْفَحْلِ كَانَ كَالْأُمِّ تَنْبِيهٌ: جَعَلَ الشَّارِحُ ضَمِيرَ أَوْلَادِهِ لِلْفَحْلِ وَالْأَوْلَى عَوْدُهُ لِلرَّضِيعِ كَمَا تَقَرَّرَ، بَلْ قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: إنَّ مَا فَعَلَهُ الشَّارِحُ سَهْوٌ (وَ) اعْلَمْ أَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ الْأُبُوَّةِ وَالْأُمُومَةِ فَقَدْ تُوجَدُ الْأُمُومَةُ دُونَ الْأُبُوَّةِ كَبِكْرٍ دَرَّ لَهَا لَبَنٌ أَوْ ثَيِّبٍ لَا زَوْجَ لَهَا، وَقَدْ تُوجَدُ الْأُبُوَّةُ دُونَ الْأُمُومَةِ، إذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فَنَقُولُ (لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ خَمْسٌ مُسْتَوْلَدَاتٍ أَوْ) لَهُ (أَرْبَعُ نِسْوَةٍ) دَخَلَ بِهِنَّ (وَأُمُّ وَلَدٍ فَرَضَعَ طِفْلٌ مِنْ كُلٍّ رَضْعَةً) وَلَوْ مُتَوَالِيًا (صَارَ ابْنَهُ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ لَبَنَ الْجَمِيعِ مِنْهُ (فَيَحْرُمْنَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الطِّفْلِ (لِأَنَّهُنَّ مَوْطُوآتُ أَبِيهِ) لَا لِكَوْنِهِنَّ أُمَّهَاتٍ لَهُ، وَالثَّانِي لَا يَصِيرُ ابْنَهُ؛ لِأَنَّ الْأُبُوَّةَ تَابِعَةٌ لِلْأُمُومَةِ وَلَمْ تَحْصُلْ (وَلَوْ كَانَ) لِلرَّجُلِ (بَدَلُ الْمُسْتَوْلَدَاتِ بَنَاتٍ أَوْ أَخَوَاتٍ) فَرَضَعَ طِفْلٌ مِنْ كُلٍّ رَضْعَةً (فَلَا حُرْمَةَ) بَيْنَ الرَّجُلِ وَالطِّفْلِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْجُدُودَةَ لِلْأُمِّ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَالْخُؤُولَةَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ إنَّمَا يَثْبُتَانِ بِتَوَسُّطِ الْأُمُومَةِ، وَلَا أُمُومَةَ هُنَا، وَالثَّانِي: تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ تَنْزِيلًا لِلْبَنَاتِ أَوْ الْأَخَوَاتِ مَنْزِلَةَ الْوَاحِدَةِ أَيْ مَنْزِلَةَ مَا لَوْ كَانَ لَهُ بِنْتٌ أَوْ أُخْتٌ أَرْضَعَتْ الطِّفْلَ خَمْسَ رَضَعَاتٍ
المتن: وَآبَاءُ الْمُرْضِعَةِ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَجْدَادٌ لِلرَّضِيعِ، وَأُمَّهَاتُهَا جَدَّاتُهُ، وَأَوْلَادُهَا مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ إخْوَتُهُ وَأَخَوَاتُهُ وَإِخْوَتُهَا وَأَخَوَاتُهَا أَخْوَالُهُ وَخَالَاتُهُ، وَأَبُو اللَّبَنِ جَدُّهُ، وَأَخُوهُ عَمُّهُ وَكَذَا الْبَاقِي، وَاللَّبَنُ لِمَنْ نُسِبَ إلَيْهِ وَلَدٌ نَزَلَ بِهِ بِنِكَاحٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ
الشَّرْحُ:
فَرْعٌ: لَوْ ارْتَضَعَتْ صَغِيرَةٌ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْ كُلٍّ مِنْ مَوْطُوآتِهِ الْخَمْسِ رَضْعَةً وَاللَّبَنُ لِغَيْرِهِ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي لِكَوْنِهَا رَبِيبَتَهُ، وَأَقَرَّهُ شَيْخُنَا عَلَى ذَلِكَ فِي شَرْحِهِ وَقَالَ نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ ابْنِ الْقَاصِّ ا هـ. وَفِيهِ نَظَرٌ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ الْأُمُومَةَ لَمْ تَثْبُتْ فَلَا تَكُونُ رَبِيبَةً، وَلَعَلَّ هَذِهِ مَقَالَةٌ لِابْنِ الْقَاصِّ (وَآبَاءُ الْمُرْضِعَةِ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَجْدَادٌ لِلرَّضِيعِ) لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْحُرْمَةَ تَسْرِي إلَى أُصُولِهَا، فَلَوْ كَانَ الرَّضِيعُ أُنْثَى حُرِّمَ عَلَيْهِمْ نِكَاحُهَا (وَأُمَّهَاتُهَا) مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ (جَدَّاتُهُ) لِمَا مَرَّ، فَلَوْ كَانَ الرَّضِيعُ ذَكَرًا حُرِّمَ عَلَيْهِ نِكَاحُهُنَّ (وَأَوْلَادُهَا مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ إخْوَتُهُ وَأَخَوَاتُهُ) لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْحُرْمَةَ تَسْرِي إلَى فُرُوعِهَا (وَإِخْوَتُهَا وَأَخَوَاتُهَا) مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ (أَخْوَالُهُ وَخَالَاتُهُ) لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْحُرْمَةَ تَسْرِي إلَى حَوَاشِيهَا فَيَحْرُمُ التَّنَاكُحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، وَكَذَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ، بِخِلَافِ أَوْلَادِ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ؛ لِأَنَّهُمْ أَوْلَادُ أَخْوَالِهِ وَخَالَاتِهِ (وَأَبُو ذِي) أَيْ صَاحِبِ (اللَّبَنِ جَدُّهُ، وَأَخُوهُ عَمُّهُ) أَيْ الرَّضِيعِ (وَكَذَا الْبَاقِي) مِنْ أَقَارِبِ صَاحِبِ اللَّبَنِ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ فَأُمُّهُ جَدَّتُهُ وَأَوْلَادُهُ إخْوَتُهُ وَأَخَوَاتُهُ وَإِخْوَتُهُ أَعْمَامُهُ وَعَمَّاتُهُ لِمَا مَرَّ، أَنَّ الْحُرْمَةَ تَسْرِي إلَى أُصُولِ صَاحِبِ اللَّبَنِ وَفُرُوعِهِ وَحَوَاشِيهِ (وَاللَّبَنُ لِمَنْ نُسِبَ إلَيْهِ وَلَدٌ) أَوْ سِقْطٌ (نَزَلَ) أَيْ دَرَّ اللَّبَنُ (بِهِ بِنِكَاحٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ) كَمَا فِي الْوَلَدِ اتِّبَاعًا لِلرَّضَاعِ بِالنَّسَبِ، وَالنَّسَبُ فِيهِ ثَابِتٌ، فَقَوْلُ ابْنِ الْقَاصِّ: يُشْتَرَطُ فِي حُرْمَةِ الرَّضَاعِ فِي حَقِّ مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ الْوَلَدُ إقْرَارُهُ بِالْوَطْءِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَلَحِقَهُ الْوَلَدُ بِمُجَرَّدِ الْإِمْكَانِ لَمْ تَثْبُتْ الْحُرْمَةُ مُخَالِفٌ لِمَا ذُكِرَ وَالظَّاهِرُ كَلَامُ الْجُمْهُورِ فَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ
المتن: لَا زِنًا، وَلَوْ نَفَاهُ بِلِعَانٍ انْتَفَى اللَّبَنُ عَنْهُ
الشَّرْحُ:
تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ ثَارَ لِلْمَرْأَةِ لَبَنٌ قَبْلَ أَنْ يُصِيبَهَا الزَّوْجُ أَوْ بَعْدَ الْإِصَابَةِ وَلَمْ تَحْبَلْ ثُبُوتُ حُرْمَةِ الرَّضَاعِ فِي حَقِّهَا دُونَ الزَّوْجِ، وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِيمَا قَبْلَ الْإِصَابَةِ وَقَالَ فِيمَا بَعْدَ الْإِصَابَةِ وَقَبْلَ الْحَمْلِ: الْمَذْهَبُ ثُبُوتُهُ فِي حَقِّهَا دُونَهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ ثَبَتَ فِي حَقِّهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ ثَوَّرَ أَعْضَاءَهَا بِالْوَطْءِ، وَالْأَصَحُّ هُوَ الْأَوَّلُ ا هـ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الْكَافِي، وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ فُرُوعِ ابْنِ الْقَطَّانِ، وَلَمْ يَذْكُرْ كَلَامَ الْقَاضِي وَصَاحِبِ الْكَافِي فَإِنْ قِيلَ: كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: أَوْ مِلْكِ يَمِينٍ، فَإِنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ كَالْوَلَدِ بِالنِّكَاحِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ اسْتَغْنَى عَنْهُ بِمَا ذَكَرَهُ قَبْلُ: أَنَّ الْمُسْتَوْلَدَةَ كَالزَّوْجَةِ (لَا) بِوَطْءِ (زِنًا) فَلَا يَحْرُمُ عَلَى الزَّانِي نِكَاحُ صَغِيرَةٍ ارْتَضَعَتْ بِلَبَنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ، لَكِنْ يُكْرَهُ لَهُ نِكَاحُهَا كَنِكَاحِ بِنْتِهِ مِنْ الزِّنَا (وَلَوْ نَفَاهُ) أَيْ نَفَى مَنْ نُسِبَ إلَيْهِ الْوَلَدُ الْوَلَدَ (بِلِعَانٍ انْتَفَى اللَّبَنُ) النَّازِلُ بِهِ كَالنَّسَبِ (عَنْهُ) فَلَوْ ارْتَضَعَتْ بِهِ صَغِيرَةٌ حَلَّتْ لِلنَّافِي، وَلَوْ عَادَ وَاسْتَلْحَقَ الْوَلَدَ بَعْدَ اللِّعَانِ لَحِقَهُ الرَّضِيعُ أَيْضًا
المتن: وَلَوْ وَطِئْت مَنْكُوحَةً بِشُبْهَةٍ، أَوْ وَطِئَ اثْنَانِ بِشُبْهَةٍ فَوَلَدَتْ فَاللَّبَنُ لِمَنْ لَحِقَهُ الْوَلَدُ بِقَائِفٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَا تَنْقَطِعُ نِسْبَةُ اللَّبَنِ عَنْ زَوْجٍ مَاتَ أَوْ طَلَّقَ، وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ انْقَطَعَ وَعَادَ
الشَّرْحُ: (وَلَوْ وُطِئَتْ مَنْكُوحَةٌ) أَيْ وَطِئَهَا وَاحِدٌ (بِشُبْهَةٍ أَوْ وَطِئَ اثْنَانِ) امْرَأَةً (بِشُبْهَةٍ فَوَلَدَتْ) وَلَدًا (فَاللَّبَنُ) النَّازِلُ بِهِ (لِمَنْ لَحِقَهُ الْوَلَدُ) مِنْهُمَا: إمَّا (بِقَائِفٍ) وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى آخِرَ كِتَابِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ إنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُمَا (أَوْ) لِمَنْ لَحِقَهُ الْوَلَدُ بِسَبَبٍ (غَيْرِهِ) بِأَنْ انْحَصَرَ الْإِمْكَانُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَوْ لَمْ يَكُنْ قَائِفٌ، أَوْ أَلْحَقَهُ بِهِمَا أَوْ نَفَاهُ عَنْهُمَا، أَوْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ وَانْتَسَبَ الْوَلَدُ لِأَحَدِهِمَا بَعْدَ بُلُوغِهِ أَوْ بَعْدَ إفَاقَتِهِ مِنْ جُنُونٍ وَنَحْوِهِ، فَالرَّضِيعُ مِنْ ذَلِكَ اللَّبَنِ وَلَدُ رَضَاعٍ لِمَنْ لَحِقَهُ ذَلِكَ الْوَلَدُ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ تَابِعٌ لِلْوَلَدِ، فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ الِانْتِسَابِ وَلَهُ وَلَدٌ قَامَ مَقَامَهُ، أَوْ أَوْلَادٌ وَانْتَسَبَ بَعْضُهُمْ لِهَذَا وَبَعْضُهُمْ لِذَاكَ دَامَ الْإِشْكَالُ، فَإِنْ مَاتُوا قَبْلَ الِانْتِسَابِ أَوْ بَعْدَهُ فِيمَا إذَا انْتَسَبَ بَعْضُهُمْ لِهَذَا وَبَعْضُهُمْ لِذَاكَ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ وَلَدٍ انْتَسَبَ الرَّضِيعُ حِينَئِذٍ أَمَّا قَبْلَ انْقِرَاضِ وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ فَلَيْسَ لَهُ الِانْتِسَابُ بَلْ هُوَ تَابِعٌ لِلْوَلَدِ أَوْ وَلَدِهِ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الِانْتِسَابِ، بِخِلَافِ الْوَلَدِ وَأَوْلَادِهِ فَإِنَّهُمْ يُجْبَرُونَ عَلَيْهِ لِضَرُورَةِ النَّسَبِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّسَبَ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُقُوقٌ لَهُ وَعَلَيْهِ كَالْمِيرَاثِ وَالنَّفَقَةِ وَالْعِتْقِ بِالْمِلْكِ وَسُقُوطِ الْقَوَدِ وَرَدِّ الشَّهَادَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ دَفْعِ الْإِشْكَالِ، وَالْمُتَعَلِّقُ بِالرَّضَاعِ حُرْمَةُ النِّكَاحِ، وَجَوَازُ النَّظَرِ، وَالْخَلْوَةِ، وَعَدَمُ نَقْضِ الطَّهَارَةِ كَمَا مَرَّ، وَالْإِمْسَاكُ عَنْهُ سَهْلٌ فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ الرَّضِيعُ وَلَا يُعْرَضُ أَيْضًا عَلَى الْقَائِفِ، وَيُفَارِقُ وَلَدَ النَّسَبِ بِأَنَّ مُعْظَمَ اعْتِمَادِ الْقَائِفِ عَلَى الْأَشْبَاهِ الظَّاهِرَةِ دُونَ الْأَخْلَاقِ، وَإِنَّمَا جَازَ انْتِسَابُهُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَمِيلُ إلَى مَنْ ارْتَضَعَ مِنْ لَبَنِهِ (وَلَا تَنْقَطِعُ نِسْبَةُ اللَّبَنِ عَنْ) صَاحِبِهِ مِنْ (زَوْجٍ) أَوْ غَيْرِهِ (مَاتَ أَوْ) زَوْجٍ (طَلَّقَ) وَلَهُ اللَّبَنُ (وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ) كَعَشْرِ سِنِينَ وَلَهُ لَبَنٌ ارْتَضَعَ مِنْهُ جُمِعَ بِتَرْتِيبٍ (أَوْ انْقَطَعَ) اللَّبَنُ (وَعَادَ) إذْ لَمْ يَحْدُثْ مَا يُحَالُ اللَّبَنُ عَلَيْهِ، إذْ الْكَلَامُ فِي الْخَلِيَّةِ فَاسْتَمَرَّتْ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ
المتن: فَإِنْ نَكَحَتْ آخَرَ وَوَلَدَتْ مِنْهُ فَاللَّبَنُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ لَهُ وَقَبْلَهَا لِلْأَوَّلِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتَ ظُهُورِ لَبَنِ حَمْلِ الثَّانِي، وَكَذَا إنْ دَخَلَ، وَفِي قَوْلٍ لِلثَّانِي وَفِي قَوْلٍ لَهُمَا
الشَّرْحُ: (فَإِنْ نَكَحَتْ) بَعْدَ مَوْتٍ أَوْ طَلَاقِ مَنْ ذُكِرَ زَوْجًا (آخَرَ) أَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ (وَوَلَدَتْ مِنْهُ فَاللَّبَنُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ لَهُ) أَيْ لِلْآخَرِ أَوْ لِلْوَاطِئِ بِشُبْهَةٍ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ يَتْبَعُ الْوَلَدَ وَالْوَلَدُ لِلثَّانِي فَكَذَلِكَ اللَّبَنُ (وَقَبْلَهَا) أَيْ الْوِلَادَةِ يَكُونُ (لِلْأَوَّلِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ ظُهُورِ لَبَنِ حَمْلِ الثَّانِي) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَحْدُثْ مَا يُغَيِّرُهُ، وَسَوَاءٌ أَزَادَ عَلَى مَا كَانَ أَمْ لَا، انْقَطَعَ ثُمَّ عَادَ أَمْ لَا، وَيَرْجِعُ فِي أَوَّلِ مُدَّةٍ يَحْدُثُ فِيهَا لَبَنُ الْحَمْلِ لِلْقَوَابِلِ عَلَى النَّصِّ وَقِيلَ: إنَّ أَوَّلَ مُدَّتِهِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَقِيلَ: أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ (وَكَذَا إنْ دَخَلَ) وَقْتُ ظُهُورِ لَبَنِ حَمْلِ الثَّانِي يَكُونُ اللَّبَنُ أَيْضًا لِلْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ غِذَاءٌ لِلْوَلَدِ لَا لِلْحَمْلِ فَيَتْبَعُ الْمُنْفَصِلَ (وَفِي قَوْلٍ لِلثَّانِي) لِأَنَّ الْحَمْلَ نَاسِخٌ فَقَطَعَ حُكْمَ مَا قَبْلَهُ كَالْوِلَادَةِ (وَفِي قَوْلٍ لَهُمَا) مَعًا لِأَنَّ احْتِمَالَ الْأَمْرَيْنِ يُوجِبُ تَسَاوِيَهُمَا تَنْبِيهٌ: أَطْلَقَ الْقَوْلَ الثَّانِيَ، وَمَحَلُّهُ إذَا انْقَطَعَ اللَّبَنُ مُدَّةً طَوِيلَةً ثُمَّ عَادَ كَمَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَنْقَطِعْ أَوْ انْقَطَعَ مُدَّةً يَسِيرَةً فَلَيْسَ فِيهِ قَوْلُ أَنَّهُ لِلثَّانِي فَقَطْ بَلْ لِلْأَوَّلِ أَوْ لَهُمَا، أَوْ لِلْأَوَّلِ إنْ لَمْ يَزِدْ، وَلَهُمَا إنْ زَادَ تَتِمَّةٌ: لَوْ حَمَلَتْ مُرْضِعَةٌ مُزَوَّجَةٌ مِنْ زِنًا فَاللَّبَنُ لِلزَّوْجِ مَا لَمْ تَضَعْ، فَإِذَا وَضَعَتْ كَانَ اللَّبَنُ لِلزِّنَا نَظِيرَ مَا لَوْ حَمَلَتْ بِغَيْرِ زِنًا وَلَوْ نَزَلَ لِبِكْرٍ لَبَنٌ وَتَزَوَّجَتْ وَحَبِلَتْ مِنْ الزَّوْجِ فَاللَّبَنُ لَهَا لَا لِلزَّوْجِ مَا لَمْ تَلِدْ وَلَا أَبَ لِلرَّضِيعِ، فَإِنْ وَلَدَتْ مِنْهُ فَاللَّبَنُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ لَهُ
|